مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

كون المسند جملة

صفحة 363 - الجزء 1

  بمنزلة العدم، وهو الصرف الذى هو نسبته لضمير المشتق، وإنما كانت كالعدم لشبهه بالخالى، وأيضا نسبة الضرب فى قولنا: زيد ضربته، إلى زيد نسبة المفعولية من جهة المعنى، وهى بعينها نسبته لضميره، فيدخل فيما ذكر - فليتأمل.

  وأما وجه التقوى على ما ذكر فى دلائل الإعجاز وهو أن الاسم لا يؤتى به معرى عن العوامل إلا لحديث قد نوى إسناده له، فإذا قلت: زيد، فقد أشعرت قلب السامع بأنك تريد الإخبار عنه، فهذه توطئة وتقدمة للإعلام به، فإذا قلت فى الإخبار عنه: قام، دخل فى قلبه دخول المأنوس، وهذا أشد للثبوت، وأمنع من الشبهة والشك، وبالجملة ليس الإعلام بشيء بغتة الذى هو مقتضى تقديم المحكوم به إذا كان فعلا مثل الإعلام به بعد التنبيه عليه والتقدمة، فإن ذلك الإعلام بعد التنبيه يجرى مجرى تأكيد نفس الإعلام صراحة بتكراره فى التقوى والإحكام أى: التثبيت والإتقان، فيدخل فيه على ظاهر ما قرر نحو: زيد ضربته، وزيد مررت به، مما عد سببيا فيما مضى، وهذا الذى ذكر فى دلائل الإعجاز فى بيان سبب التقوى - ولو كانت العبارة عنه فى غاية الحسن والسلاسة - ضعيف؛ لأنه يقتضى وجود التقوى فى كل جملة اسمية سواء كان الخبر إسما مفردا أو جملة سببية كانت أم لا، غير أن المفرد يمكن إخراجه بأن الجامد نفس المبتدأ وإنما يطلب التقوى فيما هو بصدد أن يعرض له الثبوت والانتفاء، والمشتق شبيه بالجامد فألحق به فى عدم الحاجة إلى التقوى، لكن بعد إخراج المفرد يبقى السيى المحض، ولم يذكروا أن فيه التقوى؛ ولذلك عللوا كونه جملة بالسببية لا بالتقوى، وأما الجملة المخبر بها عن ضمير الشأن كقولك: هو زيد عالم؛ فقد تقدم أن الضمير فى ذلك أقيم مقام المظهر للبيان بعد الإبهام؛ ليتمكن الخبر فى ذهن السامع، ومعلوم أن التقوى الذى نحن بصدده لم يوجد فيها؛ لأن الغرض من تمكنه حفظه فى نفسه واستقراره فى القلب، والتقوى المراد هنا هو تحقيق ثبوت المحمول للموضوع المغاير له، وضمير الشأن ليس فيه مع جملته ذلك؛ لأنه نفسها - فليتأمل - فإن فيه دقة ما، وأما صورة التخصيص نحو: أنا سعيت فى حاجتك، ورجل جاءنى، فهو داخل فى التقوى؛ لأنه ولو قصد به التخصيص فيه تكرار الإسناد مرتين، فالتقوى موجود فيه لأجل ذلك التكرر تبعا