مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

تأخير المسند عن المسند إليه وأغراض ذلك

صفحة 365 - الجزء 1

  قررنا أن فى عبارة المصنف تعسفا من أوجه أحدها: أن الضمير فى قوله إذ هى فعلية عائد على لفظ الظرفية لا بالمعنى المراد به أولا؛ لأن المراد به أولا المصدر كما أريد بما قبله، أى: كونها ظرفية، إذ لا يصح أن يراد الجملة الظرفية، إذ يلزم حينئذ من إضافتها للضمير إضافة الشيء إلى نفسه، ولا يصح إلا بتكلف، ومع ذلك فهو يخالف ما قبله، فيختل نظام الكلام، بل المراد به المصدر المأخوذ من الاسم بواسطة زيادة ياء النسبة، وقد حذفت ياء النسبة الكائنة قبل ياء النسبة التى للمصدر فى هذه الألفاظ، وإذا كان المراد أولا كون الجملة ظرفا لم يصح أن يعود الضمير على الظرفية بذلك المعنى؛ إذ يصير التقدير إذ كونها ظرفية مقدرة بالفعل، ولا يخفى فساده، فالكلام على هذا من باب عندى درهم ونصفه، وارتكابه عند قصد البيان مع وجود الخفاء تعسف، ولو كان من البديع، والآخر أن الجملة الظرفية لا معنى لتقديرها بالفعل؛ لأنها نفس الفعل، ولذلك تأولناه على معنى التحقق والتصور بالفعل؛ ولذلك كان الصواب أن يقول: إذ الظرف مقدر بالفعل - كما أشرنا إليه، والآخر أنه يوهم بمفهومه أن الجملة الظرفية مقدرة بالاسم على القول غير الأصح فليفهم - والله الموفق للصواب.

تأخير المسند عن المسند إليه وأغراض ذلك

  (وأما تأخيره) أى: وأما الإتيان بالمسند مؤخرا (ف) يكون لأن ذكر المسند إليه أهم من ذكر المسند، فيقدم المسند إليه ويلزمه تأخير المسند حينئذ؛ لأن ذكر الاسم أنسب بالتقديم من غيره، وأهمية المسند إليه (كما مر) فى تقديم المسند إليه من أنه يكون أهم لأصالته، ولا مقتضى للعدول؛ أو لأن فيه تشويقا للمسند والغرض تقريره فى ذهن السامع - كما تقدم - فى قوله: والذى حارت البرية فيه إلخ؛ أو لأن فى ذكره أولا تعجيلا للمسرة كقولك: سعد فى دارك، أو المساءة كقولك: السفاح فى دار صديقك، ونحو ذلك، وهذا الكلام ولو لزم علمه مما تقدم نبه عليه هنا لئلا يتوهم أنه أغفله فى بابه ليذكر معه مقابله وهو التقديم؛ لأن الأوجه الموجبة لتأخير المسند إليه أحال هنالك عليها هنا والموجب فى الحقيقة شيء واحد، وما ذكره المصنف تفصيل له، وإلى ذلك أشار بقوله: