تقديم المسند وأغراض ذلك
  الجملى المسوق لتفصيله؛ ليكون التفصيل أوقع فى النفس، فلذكر الأهمية فائدة، ويصح أن يراد الثانى، ولا يلزم من استواء الجزأين فى الإفادة والحاجة فى التركيب استواؤهما فى خواص وزوائد أخرى بها يكون أحدهما أهم من الآخر. وأما كون التخصيص - مثلا - سببيا للتقديم، فلا ينافى كونه سببا للأهمية؛ لأن الأهمية أعم، وسبب الأخص سبب الأعم، ولصحة الوجهين تجد كلامهم تارة فى بيان مطلق الأهمية ككون الشيء أشرف وأجل وأنسب بالمقام، وتارة فى بيان الأهمية التقديمية ككون التقديم يفيد التخصيص - والله الموفق بمنه.
  وذلك (نحو) قوله تعالى {لا فِيها غَوْلٌ}(١) أى: ليس فى خمور الجنة غول، وهو: ما يحصل بشرب الخمر من وجع الرأس وثقل الأعضاء، والمعنى على حصر المسند إليه فى المسند (أى) الغول مقصور على كونه لا يكون فى خمور الجنة (بخلاف خمور الدنيا) فيكون فيها، ثم إن نسبة الغول أو نفيه عن الخمر نسبة الوصف من الموصوف؛ لأن الخمور توصف بأنها موجعة للرأس مثقلة للبدن، ويمكن أن يعتبر أن نسبته منه نسبة المظروف من الظرف؛ لأن الظرفية المجازية يصح أن تعتبر فى الموصوف للوصف بل الحقيقة، فيقال: كانت هذه الصفة فى هذا الموصوف، فنفى الغول هنا يعتبر فيه كونه فى خمور الجنة على وجه القصر. وبالاعتبار الأول توهم أن قصر نفى الغول على كونه فى خمور الجنة من قصر الوصف على الموصوف. وبالاعتبار الثانى قيل: إنه من قصر الموصوف على الصفة، والأول ناظر إلى أن الحاصل من لا فيها غول أن عدم الغول، وهو صفة، مقصور على خمور الجنة، بحيث لا توصف به خمور الدنيا، ورد بأن تقديم المسند لم يرد لقصر المسند - الذى هو بمثابة الصفة - على المسند إليه - الذى هو بمثابة الموصوف - بل الوارد العكس، ولو سلم وروده فهذا ليس منه؛ إذ هو من قصر المسند إليه على جزء من المسند وهو الضمير، والمعهود فى إفادة التقديم للقصر إفادته قصر أحد المقدمين على نفس الآخر لا على جزئه، وإن أراد هذا القائل أنه من قصر المسند إليه على المسند وهو الظرف، ولكن لما آل الكلام بالأخيرة إلى اتصاف خمور الجنة فقط
(١) الصافات: ٤٧.