تقديم المسند وأغراض ذلك
  فقوله ثلاثة خبر مقدم، ووصفه بالإشراق الذى هو أن يصير الشيء مضيئا، وأسند ذلك الإشراق إلى الدنيا وجعل سبب إشراق الدنيا بسبب بهجة تلك الثلاثة فاشتاقت النفوس إلى معرفة من ببهجته تشرق الدنيا، وهو المسند إليه الذى هو قوله: شمس الضحى وأبو إسحق والقمر؛ لتتمكن هذه الثلاثة فى النفوس، وتمكنها آكد فى مدحها، ثم الغرض من الثلاثة أبو إسحق، وعطف تلك الثلاثة بعضها على بعض بالواو إيهاما لعدم بأن الشمس أقوى من أبى إسحق فى الإشراق. («تنبيه» كثير مما ذكر) أى: الكثير من الأحوال المذكورة (فى هذا الباب) يعنى باب المسند (و) فى الباب (الذى قبله) يعنى باب المسند إليه (غير مختص بهما) أى: لا يختص بالبابين بل ذلك الكثير يوجد فى غيرهما - أيضا، وإنما يختص بالبابين البعض مما ذكر فأما ما لا يختص بالبابين (كالذكر والحذف وغيرهما) مثل: التعريف والتنكير والتقديم والتأخير والإطلاق والتقييد، وغير ذلك كالإبدال والتأكيد والعطف، وأما ما يختص فكضمير الفصل؛ لأنه لا يؤتى به إلا بين المسندين، وككون الشيء فعلا فإنه لا يتصور فى غير المسند، فلأجل أن بعض المذكورات تختص كما ذكرنا قال: كثير مما ذكر، ولم يقل: جميع ما ذكر، وقيل: إن التعبير بالكثير للإشارة إلى أن جميعها لا يجرى فى غير البابين، والذى لا يجرى فى غير البابين مما ذكر كالتعريف فإنه لا يجرى فى الغير الذى هو الحال والتمييز، ولو جرى فى غيرهما مما سوى البابين كالمفعول به ومعه وكالتقديم، فإنه لا يجرى فى الغير الذى هو المضاف والمضاف إليه، ولو جرى فى المفاعيل، وهذا يقتضى أن التعريف والتقديم يختصان بالبابين؛ لأنهما مثال لما يجرى فى غير البابين، فالاختصاص بالبابين حينئذ يحققه الجريان فى بعض غير البابين، وعدم جريانه فى بعض آخر، كما تحقق ذلك فى التعريف الذى يجرى فى المفعول دون الحال والتمييز، والتقديم الذى يجرى فى المفعول دون المضاف والمضاف إليه، وعلى هذا يكون عدم الاختصاص بالبابين هو الجريان فى كل فرد فرد من أفراد غير البابين، ولا يخفى أن هذا المعنى لا تفيده العبارة المذكورة أصلا لا لغة ولا عرفا ولا حاجة إليه قصدا؛ لأن المصنف لو عدل إلى العبارة المحترز عنها فقال: جميعها غير مختص بالبابين لم تفد إلا أن كل فرد مما ذكر يجرى فيما يصدق