ألفاظ الاستفهام:
  إحداهما تخصيصها المضارع بالاستقبال، والأخرى كونها للتصديق، أما اقتضاء العلة الأولى وهى تخصيصها المضارع بالاستقبال لموالاتها الفعل فظاهر لأن اقتضاءها كون المضارع للاستقبال فيه دلالة على زمن مخصوص، فيكون من مقتضاها تفصيل الزمان، فتكون موالاتها لما فيه الزمان الذي لها تفصيل فيه وتخصيص وتصرف أحق وهو الفعل، وأما اقتضاء كونها للتصديق لموالاتها الفعل فلأن التصديق إثبات حقيقة لأخرى أو سلبها عنها، ودلالة الفعل على نسبة حقيقة لأخرى أظهر من دلالة غيره؛ لأنه إنما وضع ليدل على نسبة حدث لغيره بخلاف الاسم، فإنما يدل في الأصل على الذات أى: الحقيقة والحقيقة من حيث هى لا نسبة فيها تعتبر الثبوت والنفى، ولهذا يقال إن الأفعال هى التى تثبت وتنفى أى نسبتها هى التى تثبت وتنفى بخلاف الأسماء، فهى تدل على الذوات أى الحقائق ولا يعرض لها ثبوت عن الغير أو سلبها عنه إلا باعتبار النسبة التى دلالة الفعل عليها أظهر، والجملة الاسمية ولو كانت فيها نسبة لكن المحمول فيها - الذي هو صاحب النسبة - مفصول بينه وبين هل بالموضوع فليست أولى بهل بخلاف الفعل، وقد يقال إن الأحداث التى هى مدلولة للأفعال هى التى تثبت وتنفى له غالبا، وأما الذوات التى هى مدلولات للأسماء أى كثيرا فهى هى لا حالا ولا مآلا فلا تثبت ولا تنفى، وهذا كلام ظاهرى يمكن رده إلى ما ذكرنا، والخطب في هذا سهل فإن المراد تعليل ما نقل بإبداء مناسبة للضبط وتحقيق للقاعدة فافهم.
  (ولهذا) أى: ولأجل أن هل لها مزيد اختصاص بالفعل بحيث إذا عدل فيها عن موالاتها الفعل كان للاعتناء بالمعدول إليه.
  (كان) قوله تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ}(١) حيث عدل فيه عن الفعل إلى الجملة الاسمية (أدل على طلب الشكر) أى: أكثر دلالة على تأكد طلبه (من) أن يقال مثلا: (فهل تشكرون) بإدخالها على الفعل بلا فصل (و) من أن يقال: (فهل أنتم تشكرون) بإدخالها على ما فيه الفعل مع فصل بحسب الظاهر وإنما قلنا بحسب الظاهر؛ لأن هل في مثل هذا داخله على فعل محذوف كما تقرر في النحو وفي الجملة تأكيد
(١) الأنبياء: ٨٠.