مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

ألفاظ الاستفهام:

صفحة 488 - الجزء 1

  الإخبار مجازا، فإذا قيل افعل هذا كيف شئت فمعناه افعله على الحالة التى لو قيل كيف شئت أى: أى حال شئت لأجبت بها، ومثلها أنى فى هذا القصد، وقيل إنها شرطية، فالمعنى إن شئتم فأتوا، وحذف الجواب لدلالة فأتوا عليه، فهو بمعنى كيف الشرطية، واختلف هل الفعل بعدها فى موضع جزم أو لا ككيف إذ ليست جازمة. (وأخرى) أى: واستعمالها مرة أخرى أن تكون (بمعنى من أين) فتتضمن الظرفية، والابتدائية، وذلك (نحو) قوله تعالى - حكاية عن زكريا - {يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا}⁣(⁣١) أى من أين لك هذا الرزق الآتى كل يوم، وكان يجد عندها فاكهة وقت فى غير أيامها، وقد تكون بمعنى أين فقط، فتتضمن الظرفية دون الابتدائية كقوله:

  من أين عشرون لنا من أنى⁣(⁣٢)

  أى: من أين عشرون لنا؟ وهو تأكيد لما قبله، فلم تتضمن معنى من للتصريح بها، فتقرر بهذا أن أنى التى ليست بمعنى كيف تكون بمعنى من أين، كما فى الآية، وبمعنى أين فقط كما فى البيت، ويحتمل أن تكون بمعنى أين فقط دائما، إلا أنها تارة يصرح بمن معها كما فى البيت، وتارة تقدر كما فى الآية على ما ذكره بعض النحاة. (ثم إن هذه الكلمات) الاستفهامية (كثيرا ما تستعمل) أى: تستعمل كثيرا (فى) مواضع أخرى (غير الاستفهام) الذى هو أصلها، فتكون فى ذلك الغير مجازا لمناسبة بمعونة قرينة دالة فى المقام، وذلك (كالاستبطاء نحو) قولك المخاطب دعوته، فأبطأ فى الجواب: (كم دعوتك) فليس المراد استفهامه عن عدد الدعوة لجهله بها، ولا يتعلق بها غرض فقرينة الإبطاء واستثقاله مع عدم تعلق الغرض بالاستفهام ومع جهل المخاطب بالعدد دالة على قصد الاستبطاء، والعلاقة أن السؤال عن عدد الدعوة الذى هو مدلول اللفظ يستلزم الجهل بذلك العدد، والجهل يستلزم كثرته عادة، أو ادعاء، وأنه لا يحصره الإدراك من أول وهلة، وكثرته تستلزم بعد زمن الإجابة عن زمن السؤال، والبعد يستلزم الاستبطاء، فهو كالمجاز المرسل لعلاقة اللزوم من استعمال الدال على الملزوم فى اللازم،


(١) آل عمران: ٣٧.

(٢) الرجز لمدرك بن حصين في خزانة الأدب ٧/ ٨٣، وبلا نسبة في نوادر أبي زيد ص ٥٠.