مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

ألفاظ الاستفهام:

صفحة 489 - الجزء 1

  ومثل هذا يتقرر فيما مثل به هنا أيضا من قوله: {مَتى نَصْرُ اللهِ}⁣(⁣١) (و) كالتعجب (نحو) قوله تعالى حكاية عن سليمان - على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسّلام - ({ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ})⁣(⁣٢) فإن الغرض من هذا التركيب التعجب؛ لأن الهدهد كان لا يغيب عن سليمان - صلّى الله على نبينا وعليه وسلم - إلا بإذنه، فلما لم يبصره تعجب من حال نفسه، وعدم رؤيته، والمتعجب منه فى الحقيقة غيبته من غير إذن، وإنما لم يحمل على ظاهره من السؤال عن حال نفسه عند عدم الرؤية؛ لأن الإنسان أعرف بحال نفسه غالبا، فلا يستفهم عنها - كذا يقال: ولكن هذا فى الأحوال التى لا تخفى عن صاحبها، كقيامه، وقعوده، وجوعه، وعطشه، فلا يقال: ما حالى؟ أى: أنا قائم، أو قاعد، أو أنا جائع أو لا وأما إن كان من الأحوال المنفصلة، أو ما فى حكمها فيجوز أن يستفهم الإنسان عنها، كأن يقال: ما بالى أوذى دون سائر المسلمين، أى: ما السبب الذى صار متعلقا بى وحالا من أحوالى فأوجب إذايتى، اللهم إلا أن يقال: إن الحال المنفصلة ليست فى الحقيقة حال الإنسان، ولما أمكن حمل السؤال فى الآية على الحال المنفصلة التى يمكن فيها الاستفهام، أجريت على الاستفهام الحقيقى عند بعض الناس، كالزمخشرى حيث قال: نظر سليمان # إلى مكان الهدهد، فلم يبصره فقال مالى لا أراه على معنى أنه لا يراه لساتر تعلق به فمنعه من الرؤية مع وجوده أولا لساتر مع الحضور، بل لغيبته يعنى فهو يسأل الحاضرين حقيقة عن السبب الذى تعلق به، فأوجب منع الرؤية، فصار كحال من أحواله من ساتر مع حضوره، أو غيبته بلا إذن، ويدل على أنه سأل حقيقة عما خفى عليه بناؤه، هذا الكلام على التردد، ثم لاح له أنه غائب، يعنى لوحانا لا يوجب الجزم بالغيبة، ولذلك قال: فأضرب عن ذلك السؤال الذى كان على وجه الاحتمال، وتساوى الأمرين، وأخذ يقول أهو غائب، كأنه يسأل عن صحة ما لاح له، فهذا الكلام من الزمخشرى يدل على أنه حمل الكلام على الاستفهام حقيقة بالوجه السابق - كما بينا، ووجه التجوز بناء على أن الاستفهام


(١) البقرة: ٢١٤.

(٢) النمل: ٢٠.