مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

ألفاظ الاستفهام:

صفحة 490 - الجزء 1

  للتعجب أن السؤال عن الحادى أى: عن السبب فى عدم الرؤية يستلزم الجهل بذلك السبب، والجهل بسبب عدم الرؤية يستلزم التعجب وقوعا أو ادعاء، إذ التعجب معنى قائم بالنفس يحصل من إدراك الأمور القليلة الوقوع، المجهولة السبب، فاستعمل لفظ الاستفهام فى التعجب مجازا مرسلا من استعمال الدال على الملزوم فى اللازم. (وكالتنبيه على الضلال نحو) قوله تعالى ({فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ})⁣(⁣١) إذ ليس القصد منه استعلام مذهبهم بل التنبيه على ضلالهم، وأنهم لا مذهب لهم ينجون به، وكثيرا ما يؤكد هذا الاستعمال بالتصريح بالضلال، فيقال لمن ضل عن طريق القصد يا ذاك إلى أين تذهب قد ضللت فارجع، وبهذا يعلم أن التنبيه على الضلال لا يخلو من الإنكار، والنفي، والعلاقة بين التنبيه على الضلال والاستفهام أن فى الاستفهام تنبيه المخاطب على المستفهم عنه، وذلك مستلزم لتوجيه القلب له، وتوجيه القلب إلى الطريق الذى تراه واضح الفساد، والهلاك، والضلال مستلزم للتنبه إلى الضلال الذى هو لازم التنبيه عليه فهو، مجاز مرسل من استعمال الدال على الملزوم فى اللازم فى الجملة، وقد تضمن التنبيه على الضلال على وجه الاستفهام إشارة لطيفة إلى أن إدراك الضلال بمجرد التنبيه، وأن المنبه كأنه أعلم به حتى أتى فيه بطريق الاستفهام الذى إنما يوجه لمن هو أعلم بالمستفهم عنه.

  (وكالوعيد كقولك لمن يسيء الأدب) معك (ألم أؤدب فلانا) وإنما يكون وعيدا (إذا علم) المخاطب المسيء للأدب (ذلك) التأديب فلا يحمل كلامك على الاستفهام؛ لأنه يستدعى الجهل، وهو عالم أنك عالم بتأديب فلان، بل يحمله على مقصودك من الوعيد بقرينة كراهية الإساءة المقتضية للزجر بالوعيد، والعلاقة كون الاستفهام عن شأن الأدب فى الإساءة مشعرا ومنبها على أنه جزاء الإساءة، لينزجر عنها، والتنبيه على ذلك الجزاء من المتكلم وعيد، فهو مجاز مرسل من استعمال اسم الملابس فيما يلابسه باللزوم فى الجملة (وكالتقرير) ويكون لمعنيين أحدهما: التحقيق والتثبيت كقولك عند إرادة الانتقام أو اللوم والعزم على الشروع فيه لا على طريق الوعيد والتخويف أقتلت فلانا بمعنى أنك قتلته قطعا فلا نجاة لك من اللوم أو القتل، والعلاقة فيه أن الاستفهام


(١) التكوير: ٢٦.