ألفاظ الاستفهام:
  له من محل يتعلق به، فإذا نفى محله لزم نفيه، وبهذا الاعتبار صار إنكار التعلق كناية عن إنكار أصل الفعل، فالهمزة استعملت هنا استعمال الكنايات، وعلى هذا قوله تعالى: {قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ}(١) فإن الغرض إنكار أصل التحريم لما فى بطون الأنعام، وليس له فيما فى بطون الأنعام محلل ومحرم كما عليه الكفرة، وههنا شيء، وهو أنه إن أريد أن موالاة الهمزة للفعل فى الإنكار تدل على نفى أصل الفعل، ولو ذكر معه المفعول، وموالاتها المفعول تدل على نفيه عن المفعول المذكور خاصة، إلا فى صورة الترديد كما هو ظاهر عبارته؛ لأنه لم يصح؛ لأنه متى ذكر المفعول تقدم أو تأخر لم يدل إلا على نفى الفعل حال كونه متعلقا بذلك المفعول، وإن أريد أن الموالاة تدل بشرط أن لا يذكر معه معمول سوى الفاعل لم يتجه قوله ولإنكار الفعل صورة أخرى؛ لأن هذا الحصر، أعنى حصر الضرب مثلا - فى مفعولين أو أكثر يوجب إنكار أصل الفعل، ولو فى حال موالاة الفعل حال كونه متعلقا بالمفعول، وإذا لم يكن حصر فالإنكار للفعل المتعلق بذلك المفعول - تقدم ذلك المفعول أو تأخر - لا لأصل الفعل، فكيف يجعل التأخير دائما لإنكار أصل الفعل؟
  والتقديم للإنكار بشرط الحصر، فالتقديم والتأخير حينئذ متساويان، فكيف يخص التقديم بكونه صورة أخرى مع الحصر؟ والفرض أن الصورة مع التأخير - أيضا - بشرط الحصر، والحاصل أن حصر التعلق لا بد منه، ولى الفعل أم لا عطف عليه بأم وشبهها أم لا حيث أريد نفى أصل الفعل، وإن لم يكن حصر لم يفد نفى أصل الفعل تقدم المعمول أو تأخر، نعم إذا قيل مثلا أزيد أضربت احتمل أن يراد ما ضربت زيدا بل غيره على وجه الأرجحية، وأن يراد ما ضربت زيدا من غير تعرض لما سواه وإذا قيل: أضربت زيدا احتمل على وجه التساوى نفى ضرب زيد فقط مع ضرب الغير - تأمل.
  (والإنكار) فى الجملة يكون على أوجه؛ لأنه (إما) أن يكون (للتوبيخ) أى: التعيير والتقريع على أمر قد وقع، ولذلك يقال الإنكار التوبيخى يتضمن التقرير أى التثبيت والتحقيق، ولذلك فسر التوبيخ بما يقتضى الوقوع بقوله (أى ما كان ينبغى أن يكون) ذلك الأمر الذى كان؛ لأن العرف أنك إنما تقول ما كان ينبغى لك هذا يا
(١) الأنعام: ١٤٣، ١٤٤.