مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

ألفاظ الاستفهام:

صفحة 495 - الجزء 1

  فلان، إذا صدر منه، وذلك (نحو) قوله لمن صدر منه عصيان (أعصيت ربك) كأنك تقول ما هذا العصيان الذى صدر منك؟ فإنه منكر؛ لأنه لم يكن مما ينبغى أن يصدر منك ولتضمن الإنكار التوبيخي للوقوع والتقرير يقال في أمثلته إنها للتقرير بمعنى أنه يفيد التحقق والثبوت، وليس المراد بالتقرير فيه حمل المخاطب على الإقرار لغرض من الأغراض، بل المراد التقرر والتحقق الذى يقتضيه التوبيخ (أو) يكون للتوبيخ على أمر خيف وقوعه بأن كان المخاطب بصدد أن يوقعه، فيكون المعنى أنه (لا ينبغى أن يكون) هذا الأمر الذى أنت أيها المخاطب بصدد عمله، وقصده (نحو) قولك لمن هم بالعصيان ولما يقع منه: (أتعصى ربك) فكأنك تقول هذا العصيان الذى نويت لا ينبغى أن يصدر منك فى الاستقبال، وهذا التوبيخ لا يقتضى الوقوع بالفعل كما هو ظاهر، ولكن يقتضى كون المخاطب بصدد الفعل، فالتقرير لا يتصور فيه إلا باعتبار أن ما هو للوقوع كالواقع، (أو للتكذيب) عطف على قوله إما للتوبيخ أى: الإنكار إما أن يكون للتوبيخ بوجهيه، وإما أن يكون للتكذيب فى الماضى (أى لم يكن) بمعنى أن المخاطب إن ادعى وقوع شيء فيما مضى، أو نزل منزلة المدعى، أتى بالاستفهام الإنكارى تكذيبا له فى مدعاه فى المضى، وذلك (نحو) قوله تعالى: {أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً}⁣(⁣١) أى: لم يفعل هذا الذى تدعون أى: لم يخصصكم بالنبيين، ويتخذ من الملائكة بنات، كما هو مقتضى اعتقادكم لتعاليه عن الولد مطلقا.

  (أو) للتكذيب فى المستقبل، أو فى الحال أى: (لا يكون) بمعنى أن المخاطب إذا ادعى أو نزل منزلة من ادعى أن أمرا من الأمور يقع فى المستقبل، أو فى الحال أتى بالاستفهام الإنكارى تكذيبا له فيما ادعى وقوعه فى الاستقبال، أو فى الحال (نحو) قوله تعالى {أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ}⁣(⁣٢) فالكفرة ادعوا أنهم يلزمون ما يكرهون، أو نزلوا منزلة من ادعى ذلك لنسبتهم للرسل حرصا لا ينبغى فى زعمهم، أى أنلزمكم هذه الحجة أى العمل بالشرع الذى قامت عليه الحجة والبرهان، أو أنلزمكم


(١) الإسراء: ٤٠.

(٢) هود: ٢٨.