ألفاظ الاستفهام:
  قبول الهداية باتباع الشرع الذى قامت عليه البينة، والحال أنكم لتلك الحجة والهداية كارهون، والتقييد بالكراهة للتأكيد؛ لأن إلزام قبول الاهتداء أى: العمل بالشرع لا يكون إلا حال الكراهية، بمعنى أنا معشر الرسل لا يقع منا ذلك الإلزام، وإنما علينا الإبلاغ لا الإكراه، إذ لا إكراه فى الدين، وهذا يناسب عدم الأمر بالجهاد، وإنما قلنا كذلك؛ لأن الإلزام إن لم يكن معناه الإلزام بالجهاد كان معناه التكليف بالقبول، ولا يصح نفيه لوقوعه، وهو ظاهر إن كان معناه لا نخلق لكم القبول حال الكراهة، والرسل لا يكون منهم إلزام بهذا المعنى كرهوا، أو أحبوا، وعلى هذا يكون الخطاب لإسقاط مثارات العداوة الموجبة لنفرة الكافرين أو لإظهار عدم حاجة الناصح إلى قتال المنصوح؛ لأن المنفعة للمنصوح، فإنك إذا نصحت رجلا، ثم أحسست منه بالإباية، فقلت له: لست أقهرك على قبول نصحى، ولا أقاتلك على تركه، وإنما على إبلاغ النصح، كان ذلك أدعى للقبول؛ لما فيه من ترك الانتصار على عدم السماع والقبول، ومن إظهار أن لا حاجة له فافهم لئلا يقال يفهم منه الترخص فى التكليف، وترك المبالغة فى الغرض، وقد تبين بما تقرر أن التوبيخ يشارك التكذيب فى النفى، ويختلفان فى أن النفى فى التوبيخ متوجه لغير مدخول الهمزة، وهو الانبغاء، ومدخولها واقع، أو كالواقع، وفى التكذيب يتوجه لنفس مدخولها، فمدخولها غير واقع فافهم.
  (و) ك (التهكم) أى: يكون حرف الاستفهام لغيره كالتهكم وهو الاستهزاء والسخرية، فهو إما معطوف على الاستبطاء بناء على أن المعطوفات إذا تعددت إنما تعطف على ما عطف عليه أولها، وأما على الإنكار بناء على أن كل واحد منها يعطف على ما يليه، وذلك (نحو) قوله تعالى حكاية عن الكافرين فى شأن شعيب - على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسّلام - {أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا}(١) فليس المراد به السؤال عن كون الصلاة آمرة بما ذكر، وهو ظاهر، بل قصدهم - لعنة الله عليهم - الاستخفاف بشأن شعيب فى صلاته، فكأنهم يقولون: لا قربة لك توجب اختصاصك بأمرنا ونهينا إلا هذه الصلاة التى تلازمها، وليست هى ولا أنت بشيء،
(١) هود: ٨٧.