ألفاظ الاستفهام:
  وبهذا الاعتبار صارت الصلاة كما يشك فى كونه سببا للأمر، فنسب الأمر لها مجازا عقليا، كما تقدم أن فى هذا التركيب مجازا إسناديا وفيه - أيضا - باعتبار آلة الاستفهام لغوى، والعلاقة أن الاستفهام عن كون الصلاة آمرة يناسب اعتقاد المخاطب أنها آمرة، واعتقاد ذلك يقتضى الاستهزاء بالمعتقد، إذ ليست مما يأمر أو ينهى فهو من المجاز المرسل لعلاقة اللزوم فى الجملة. (و) ك (التحقير نحو) قولك (من هذا) لقصد احتقاره مع أنك تعرفه، والعلاقة أن المحتقر من شأنه أن يجهل لعدم الاهتمام به، فيستفهم عنه فبينهما اللزوم فى الجملة، والفرق بين التحقير والاستهزاء، أن التحقير فيه إظهار حقارة المخاطب، وإظهار اعتقاد صغره أو قلته؛ ولذلك يصح فى غير العاقل - كما يقال - ما هذا الشيء، أى هو شيء حقير قليل، والاستهزاء فيه إظهار عدم المبالاة بالمستهزأ به، ولو كان عظيما فى نفسه، وربما يتحد محلهما ولو اختلف مفهومهما لما بينهما من الارتباط فى الجملة، لصحة نشأة أحدهما عن معنى الآخر (و) ك (التهويل) أى: التفظيع، والتفخيم لشأن المستفهم عنه، لينشأ عنه غرض من الأغراض، وذلك (كقراءة ابن عباس) - رضى الله تعالى عنهما - قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ ٣٠ مِنْ فِرْعَوْنَ}(١) فقد قرأ من قوله من فرعون (بلفظ الاستفهام)، وذلك بأن قرأها بفتح الميم (ورفع) أى: مع رفع (فرعون) فيكون فرعون مبتدأ، ومن الاستفهامية خبره، أو من مبتدأ، وفرعون خبره على الرأيين فى الاسم بعد من الاستفهامية، فحقيقة الاستفهام فيها غير مراد، وإنما المراد تفظيع أمر فرعون، والتهويل بشأنه وهو مناسب هنا؛ لأنه لما وصف عذابه بالشدة زيادة فى الامتنان على بنى إسرائيل بالإنجاء منه، هول بشأن فرعون، وبين فظاعة أمره، ليعلم بذلك أن العذاب المنجى منه غاية فى الشدة، حيث صدر ممن هو شديد الشكيمة عظيم فى عتوه، وشدة الشكيمة عبارة عن: نهاية التكبر والتجبر، وعدم اللين بشيء من الأشياء، فكأنه قيل: نجيناهم من عذاب من هو غاية فى الشدة والعتو والفساد، وناهيك بعذاب من هو مثله، ولما كان الغرض من التهويل بشأن فرعون غاية تأكيد شدة العذاب الذى نجا بنو إسرائيل منه، أكد أمره
(١) الدخان: ٣٠، ٣١.