مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

ألفاظ الاستفهام:

صفحة 498 - الجزء 1

  زيادة فى تعريف حاله، وفى التهويل بعذابه بقوله تعالى: {إِنَّهُ كانَ عالِياً}⁣(⁣١) فى ظلمه (من المسرفين) فى عتوه فكيف حال العذاب الذى يصدر من مثله؟ ولما كان الأمر الهائل من شأنه عدم الإدراك حقيقة، أو ادعاء لزم من ذلك أن من شأنه أن يكون مجهولا يسأل عنه، فبين التهويل والاستفهام ملابسة، فاستعمل لفظ أحدهما فى الآخر مجازا (و) ك (الاستبعاد) أى: عد الشيء بعيدا، والفرق بينه وبين الاستبطاء أن الاستبطاء: عد الشيء بطيئا فى زمن انتظاره، وقد يكون محبوبا منتظرا أو الاستبعاد عد الشيء بعيدا حسا أو معنى، وقد يكون منكرا مكروها غير منتظر أصلا، وربما يصلح المحل الواحد لهما ولو اختلف مفهومها. والاستبعاد (نحو) قوله تعالى {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ١٣ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ}⁣(⁣٢) فإن الاستفهام الحقيقى لا يصح من علام الغيوب مع منافاته للجملة الحالية، فإن مثل هذا الكلام عرفا إنما يراد به الاستبعاد، فهو بدليل قرائن الأحوال للاستبعاد لذكراهم، فكأنه قيل: من أين لهم التذكر والرجوع للحق والحال أنهم جاءهم رسول يعلمون أمانته، فتولوا وأعرضوا، بمعنى أن الذكرى بعيدة عن حالهم، وغاية البعد النفى لذلك فسر تفسيرا معنويا بما يقتضى النفى والإنكار، بأن قيل كيف يتذكرون ويتعظون ويفون بما وعدوه من الإيمان إن كشف العذاب عنهم وقد جاءهم ما هو أعظم، وأدخل فى وجوب الأذكار من كشف الدخان، وهو ما ظهر على يد رسول الله من الكتاب المعجز، وغيره من المعجزات، فلم يذكروا بل أعرضوا، وإنما قلنا: تفسيرا معنويا؛ لأنه تقدم أن أنى إذا كانت بمعنى كيف لم يلها إلا الفعل، والعلاقة أن المهول به بعيد الإدراك، فمن شأنه أن يكون مجهولا فيسأل عنه، وإنما نبهنا على العلاقة فى استعمال الاستفهام لغيره، لاستبعادهم إياه - فليتأمل.


(١) الدخان: ٣١.

(٢) الدخان: ١٣، ١٤.