النهى
النهى
  (ومنها) أى: ومن أنواع الطلب (النهى) وهو: طلب الكف عن الفعل استعلاء من حيث هو كذلك، فلا ينتقض بكف؛ لأنه ليس طلبا للكف عن الفعل من حيث إنه كف عن فعل، بل هو طلب للكف من حيث إنه فعل؛ لأنه لما اقتصر عليه صار المقصود منه نفس الكف من حيث إنه فعل لا من حيث إنه كف عن فعل آخر ولو كان لازما له ولا يخرج عنه لا نترك الفعل لأنه طلب كف عن فعل آخر هو الترك، وقد تقدم مثل هذا فى الأمر مع ما فيه. (وله) أى: وللنهى (حرف واحد وهو) أى: وذلك الحرف الواحد هو (لا الجازمة فى قولك) ابتداء (لا تفعل) نهيا له عن الفعل، خلافا لمن قال: إن من حروفه حرفا واردا فى موضع تصلح فيه كى كقولك: قيد العبد لا يفر، بجزم يفر بناء على أنه من جنس حرف الجزم، ولو كان معناه النفى. (وهو) أى: النهى (كالأمر فى) شأن (الاستعلاء) أى: عد الآتى بصيغة نفسه عاليا، فإن كان كذلك فهو نهى حقيقة، وإن وردت صيغته مع تخضع من الأدنى فهى دعاء، وإن وردت من مساو فهى التماس، وإنما قلنا إن شرط كون صيغته نهيا حقيقة الاستعلاء؛ لأن ذلك هو المتبادر، والتبادر أمارة الحقيقة؛ لأنه ناشئ عن كثرة الاستعمال، فإذا كان بلا قرينة دل على الحقيقة، يعنى - وكما قلنا فى الأمر هنالك - أن الأمر للطلب استعلاء، فشمل الندب والوجوب على ما اختار المصنف - خلافا للجمهور - فى كونها للوجوب فقط، تقول ههنا - أيضا - هى لطلب الكف استعلاء، فيشمل التحريم والكراهة، وقيد التشبيه بالأمر بالاستعلاء، ليفيد أنه ليس فيه ما قيل فى الأمر بالنسبة إلى الفور والتكرار، فإن النهى للفور والتكرار جزما لأنه لدفع المفسدة فلشدة حالها لا بد فيها من الفور وتكرار الكف، ليتحقق نفى المفسدة، قال السكاكى: والأشبه أن النهى والأمر إن وردا لقطع الواقع كأن يقال للمتحرك: اسكن أو لا تتحرك فمدلولهما المرة، وإن ورد الاتصال، فمدلولهما الاستمرار كأن يقال للمتحرك: تحرك أو لا تسكن ولا يخفى ما فى قوله لاتصاله؛ لأنه فى معنى الاستمرار، فكأنه قال: وإن أريد بهما الاستمرار فهما للاستمرار - تأمله.