مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

فكل حتف امرئ يجرى بمقدار

صفحة 538 - الجزء 1

  ومعنى، فهذا هو كمال الانقطاع الذى يمنع العطف عند انتفاء الإيهام، ولكن كون ما ذكر مانعا من العطف بالاتفاق إنما هو باعتبار مقتضى البلاغة، وما يجب أن يراعى فيها.

  وأما عند أهل اللغة ففيه الخلاف، ومن منع فلا إشكال، ومن جوز كأن يقال مثلا: «حسبي الله ونعم الوكيل» بناء على أن إحدى الجملتين خبر، والأخرى إنشاء فتجويزه إذا لم تراع البلاغة، كذا قيل، وفيه نظر؛ لأن الجائز لغة ما لم يكن نادرا ينافي البلاغة، وإن أريد أن الفصل عند كمال الانقطاع واجب في مقام ممتنع في آخر، فهذا مما لم يذكروه، ولم يتعرضوا له أصلا؛ بل صريح كلامهم أى: كمال الانقطاع هو كمال الفصل، فالأقرب أن يقال: البيانيون على القول بامتناع الوصل الذى هو العطف فى كمال الانقطاع الذى هو كون إحدى الجملتين خبرا والأخرى إنشاء، تأمله.

  ثم مثل لكمال الانقطاع فقال (نحو) قوله (وقال رائدهم)⁣(⁣١) وهو الذى يتقدم القوم لطلب الماء والكلأ للنزول عليه ولا يكون غالبا إلا عريفهم (أرسوا) أى: أقيموا بهذا المكان الملائم للحرب، وهو مأخوذ من أرسيت السفينة حبستها فى البحر بالمرساة، وهى حديدة تلقى فى الماء متصلة بالسفينة فتقف، وقد تطلق المرساة بفتح الميم على البقعة التى رست فيها السفينة (نزاولها) أى: نحاول أمر الحرب، ونعالجها: أى: نحتال لإقامتها بأعمالها وتمام البيت:

فكل حتف امرئ يجرى بمقدار

  أى: لا يمنعكم من محاولة إقامة الحرب بمباشرة أعمالها خوف الحتف، وهو الموت فإن المرء لا يجرى عليه حتفه إلا بقدر الله وقضائه، باشر الحرب أم لا، فلا الجبن ينجى منه حتى يرتكب، ولا الإقدام يوجبه حتى يجتنب.

  وحاصله: الأمر بإقامة أمر الحرب والتشجيع على لقائها بسبب العلم بأن الشجاعة لا توجب حتفا كما أن الجبن لا ينجى منه؛ لأن الأمور كلها بالمقادير ومنها الحتف فقوله: «أرسوا» جملة إنشائية لفظا ومعنى وقوله «نزاولها» جملة خبرية لفظا


(١) البيت للأخطل في خزانة الأدب (٩/ ٨٧)، ومعاهد التنصيص (١/ ٢٧١)، وبلا نسبة في شرح المفصل (٧/ ٥١).