مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

فكل حتف امرئ يجرى بمقدار

صفحة 539 - الجزء 1

  ومعنى، ولم يعطف الثانية على الأولى، لكمال الانقطاع، وفى هذا المثال شيء؛ لأنه إن كان كما قيل: قوله: نزاولها رفع الفعل فيه؛ لأن الغرض جعل مضمون الثانية علة للأولى، فكأنه قيل له: لماذا أمرت بالإرساء؟ فقال: نزاولها أى: لنزاول أمر الحرب، إذ لو أراد تعليل الثانية بالأولى لجزم فيكون التقدير: إن وقع الإرساء نزاولها أي: إن وقع كان سببا وعلة لمزاولتها؛ لأنه لا تمكن مزاولتها إلا بالإرساء فيكون الكلام على حد قوله: «أسلم تدخل الجنة» أى: إن أسلمت كان سببا لدخول الجنة، كان ذلك مقتضيا بنفسه ترك العطف من غير مراعاة كمال الانقطاع؛ لأن الجملة حينئذ تكون استئنافية منقطعة عما قبلها، ولا يصح عطفها على المستأنف عنها على ما يأتى إن شاء الله تعالى فى شبه كمال الاتصال، وإن كان نزاولها جملة أجنبية ليست علة لما قبلها، وليس ما قبلها علة لها فغير ظاهر؛ لأن الكلام لا ينتظم إلا بما قرر أولا كما لا يخفى، اللهم إلا أن يقال لهذا الكلام جهتان وجود الإنشائية والخبرية، وهو كمال الانقطاع الموجب للفصل، وهو المدعى فى التمثيل، ووجود الاستئنافية، وهو مانع من العطف أيضا، ولا يخلو من تعسف، وينبغى أن تتنبه إلى ما أشرنا إليه من أن كون الجملة الأولى علة يوجبها الجزم، وكون الثانية علة يوجبها الرفع، أمران متلازمان؛ لأنه إذا كان الحامل على الأمر بالإرساء مزاولتها، كان نفس الإرساء سبب المحاولة، إذ هى مآل الإرساء؛ وإنما اختلفا بالاعتبار على حسب ما يقتضيه الجزم فيقدران الشرط، وهو سبب أقوى، أو الرفع فيقدر السؤال عن العلة المجاب بها، وهى علة تالية، فافهم.

  ثم إن جملتى «أرسوا» و «نزاولها» فى هذا الشطر معمولتان لقال، فالأولى منهما لها محل من الإعراب، وكلامنا هنا فيما لا محل له من الإعراب، فالتمثيل غير مطابق، وقد أجيب بأن المثال باعتبار المحكى عنه والجملتان باعتباره لا محل لهما لا باعتبار الحكاية، ورد بأنه تعسف لظهور أن المثال: إنما هو هذا الشطر، والجملتان فيه معمولتان، وعليه فالمثال لمجرد ما فيه كمال الانقطاع لا بقيد كونهما مما لا محل له من الإعراب، والتحقيق كما قال بعض المحققين: إن المثال باعتبار المحكى عنه، فالجملتان مما لا محل لهما؛ وذلك لأن الغرض التمثيل بما أوجب فيه كمال الانقطاع الفصل،