فكل حتف امرئ يجرى بمقدار
  والجملتان اللتان لهما محل من الإعراب لا يوجب كمال الانقطاع فيهما فصلا؛ لأنهما فى معنى المفرد فلا تراعى فيهما النسبة التى بها يتحقق كمال الانقطاع الموجب للفصل؛ ولذلك صح العطف فى المحكيتين مع وجود كماله فيهما باعتبار أصلهما، كما فى قوله تعالى {وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}(١) وقيل كما تقدمت الإشارة إليه: إنما وجب الفصل فى المثال لشدة ارتباط الثانية بالأولى فصارت كنفسها، إذ هى علة لها وعطف الشيء على نفسه ممنوع حتى فى المفردات، إن لم يؤول بالتفسير كما تقدم، فالتمثيل على موجب القطع لكمال الانقطاع إنما هو باعتبار المحكى؛ ليصح كون كمال الانقطاع هو الموجب للفصل.
  فتحصل مما تقرر فى سابق الكلام ولا حقه أن منع العطف بين الإنشاء والخبر له ثلاثة شروط: أن يكون بالواو، وأن يكون فيما لا محل له من الإعراب من الجمل، وأن لا يوهم خلاف المراد؛ وذلك ظاهر، ثم إن اعتبار الحكاية لتكون الأولى لها محل ورد عليه: أن الذى فى محل الإعراب هو مجموع الجملتين؛ لأن كلا منهما جزء المحكى وجزء المحكى لا محل له من الإعراب، كالموضوع فقط أو المحمول فقط، وقد يجاب عن هذا بأن الجزء التام الفائدة حكمه حكم الكل، بخلاف غير التام، ثم قد اختلف النحويون فى المحكى هل هو فى محل المفعول المطلق؟ أو المفعول به؟ فإذا قيل قلت: «الحمد لله» فالحمد لله نوع من القول فالقول مفعول مطلق أو هو مفعول به إذ يقال: هذا الكلام مقولى، ولا يقال فى المصدر فى نحو قولك: «قلت قولا» هذا القول أعنى المصدر مقولى، والأقرب الأول، ولو رجح بعض المحققين الثانى (أو معنى) أى: يحصل كمال الانقطاع لأجل اختلافهما خبرا أو إنشاء لفظا ومعنى، أو لاختلافهما معنى (فقط) وذلك بأن تكون إحداهما خبرا معنى والأخرى إنشاء معنى، بشرط أن تكونا معا إنشائيتين لفظا أو خبريتين لفظا فهو معطوف على قوله: «لفظا ومعنى» وزدنا «فقط» لئلا يدخل القسم السابق فى هذا؛ ولذلك ناسب قولنا: «بشرط أن تكون إلخ» ثم مثل باللتين كانتا خبريتين معا لفظا بقوله: (نحو: مات فلان |) فجملة مات فلان
(١) آل عمران: ١٧٣.