الفصل لكمال الاتصال
  بتحققه بحقائق البعد عن مظنة الريب بظهور وجاء هديا مع أن اسم الإشارة يدل على كمال العناية بتمييزه كما تقدم فى باب اسم الإشارة، وكمال العناية بالتمييز إنما يكون لحكم اختص به المشار إليه، مما يمدح به فيعتنى بتمييزة، لئلا يقع ليس فى مدحه ووهم فى إنفراده بمجده، والحكم البديع للكتاب: هو ما يناسبه من الكمال فى حقيقته، وظهور سر هداه، فأفاد بهذا الوجه أيضا بلوغ النهاية فى الكمال، فقوله «بجعله» متعلق بقوله «بولغ» كما أشرنا إليه فى التقرير (و) حصلت تلك المبالغة أيضا ب (تعريف الخبر) الذى هو الكتاب (باللام) وذلك؛ لأن تعريف الجزأين فى الجملة الخبرية يدل على الانحصار كما يقال: «حاتم هو الجواد» أى: لا جواد إلا حاتم إذ جود غيره بالنسبة إلى جوده كالعدم، فكأنه قيل: «لا كتاب إلا هذا الكتاب» أى: هو الكامل الذى يستأهل أن يسمى كتابا، حتى كأن ما عداه ليس بكامل بالنسبة إلى كماله، أو ليس بكتاب، ولو كان ذلك الغير كتابا كاملا فى نفسه، وهذا الكلام الذى قرر به هذا الحصر ليس فى ظاهره سوء أدب، إذ لم يصرح بوصف الكتب التى وقع الحصر باعتبارها بالنقصان، ولا فى باطنه؛ لأن الملك الأعظم له أن يفضل ما شاء من كتبه على غيره بالمبالغة الحصرية وغيرها، نعم لو سميت فيه الكتب ووقع الحصر من غير الملك الأعلى لزم سوء الأدب، أو وقع الحصر من غيره تعالى، ولو لم تسم الكتب فافهم.
  (جاز) هو جواب لما أى: لما بولغ فى وصفه بالكمال جاز بسبب تلك المبالغة المتقدمة (أن يتوهم السامع قبل التأمل) فى حال الكتاب (أنه) أى: أن قوله «ذلك الكتاب» المفيد للمبالغة فى المدح (مما) أى: من الكلام الذى (يرمى به جزافا) أى: على وجه المجازفة أى: بمعنى أنه مما يؤتى به من غير ملاحظة مقتضياته، ومراعاة لوازمه، ومفاد أجزائه بروية وبصيرة؛ فإن المجازفة فى الشيء عدم الإحاطة بأحواله، وإنما كانت المبالغة المذكورة مما يجوز معه توهم المجازفة لما جرت به العادة غالبا أن المبالغ في مدحه لا يكون على ظاهره؛ بل يخرج على خلاف مقتضى ظاهره، إذ لا تخلو المبالغة غالبا من تجوز وتساهل (ف) لما جاز بسبب تلك المبالغة توهم السامع المجازفة فى الكلام وأنه على خلاف ظاهر مقتضاه (أتبعه) أى: أتبع «لا ريب فيه» «ذلك الكتاب» فالضمير