مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

الفصل لكمال الاتصال

صفحة 544 - الجزء 1

  النائب المستتر يعود على «لا ريب فيه» والمنصوب الظاهر يعود على «ذلك الكتاب» ولفظ «أتبع» مبنى للمجهول (نفيا لذلك) التوهم أى: جعل «لا ريب فيه» تابعا لجملة «ذلك الكتاب» لينتفى بنفى الريب توهم كون الكلام الذى هو ذلك الكتاب لا يراد به مقتضى ظاهره الذى هو كونه فى نهاية الكمال فى الهداية، حتى كأن غيره بالنسبة إليه ليس كتابا؛ وذلك لأن كمال الكتاب كما تقدم باعتبار ظهوره فى الاهتداء به، وذلك بظهر حقيته، وهو مقتضى الجملة الأولى، ونفى الريب أى: نفى كونه مظنة الريب بمعنى أنه بعيد عن الحالة التى توجب الريب فى حقيته لازم لكماله فى ظهور حقيته، ولو اختلف مفهومهما ولازم معنى الثانية معنى الأولى كانت الثانية بمنزلة التأكيد المعنوى لا اللفظى، وهذا ظاهر، ولكن ههنا شيء وهو أن توهم كون الكلام مما يرمى به جزافا إنما يصح لو صدر هذا الكلام عن غير علام الغيوب، فكيف يقال: يجوز أن يتوهم أن هذا الكلام مما يرمى به جزافا ويمكن أن يجاب بأن المراد أن هذا الكلام لو كان من غيره لتوهم ما ذكر، فأجرى معه «لا ريب فيه» دفعا لذلك على قاعدة ما تجب مراعاته فى البلاغة العرفية، باعتبار المخلوق؛ لأن القرآن ولو كان كلام الله تعالى جار على القاعدة العرفية الجارية من الخلق تأمل.

  (فوزانه) أى: فمرتبته لا ريب فيه مع ذلك الكتاب (وزان) أى: مرتبة (نفسه) مع زيد (فى) قولك: (جاء زيد نفسه) وهو التأكيد المعنوى، والوزان مصدر وازنه يوازنه، بمعنى: ساواه، ولما كان الموازن للشيء فى مرتبة ذلك الشيء أطلق المصدر على مطلق المرتبة مجازا مرسلا أو حقيقة عرفية، وعلى هذا فليس الوزان الثاني مقحما زائدا فى الكلام، ويحتمل أن يطلق على الموازن كما قيل فيكون الثانى مقحما، وهو ظاهر.

  وعلم من قوله «فوزانه الخ» أن الجملة ليست تأكيدا معنويا فى الاصطلاح، وهو ظاهر؛ لأنه فى الاصطلاح إنما يكون بألفاظ معلومة مع أنه تابع، وذلك يقتضى المحلية فى الإعراب، والجملتان هنا لا محل لهما فالمراد أنها مثل التأكيد فى حصول مثل ما يحصل منه، ومثل هذا يقال فى كون الجملة بدلا وبيانا وسيأتى وجه عدم اعتبار كونها بمنزلة النعت، ثم أشار إلى الجملة التى هى بمنزلة التأكيد اللفظى، وهو القسم الثانى