الفصل لكمال الاتصال
  ثم قد علم مما تقدم أن وجه منع العطف فى التأكيد؛ كون التأكيد مع المؤكّد كالشيء الواحد وبمثله علل المنع فى بدل البعض والاشتمال، والأولى كما قيل: إن المنع فيهما لكون المبدل منه فى نية الطرح عن القصد الذاتى، فصار لو عطفت عليه على ما لم يذكر.
  وأما التعليل بالاتحاد فلا يتم مع كون المبدل منه كالمعدوم إذ لا يتحد ما هو بمنزلة المعدوم بالموجود، مع أن البعض من حيث هو والمشتمل عليه من حيث هو لا اتحاد بينه وبين ما قبله، ولكن على هذا لا يكون هناك ما يحقق بينهما كمال الاتصال كما هو فرض المسألة تأمل.
  (أو) لكون الثانية (بيانا لها) - أى: للأولى - فهو معطوف على قوله مؤكدة أى: ومن جملة ما يوجد فيه كمال الاتصال أن تكون الثانية بيانا للأولى (لخفائها) - أى: لخفاء تلك الأولى - من غير أن يقصد استئناف الإخبار بنسبتها كما فى المبدل وإنما المقصود بيان الأولى لما فيها من الخفاء وذلك (نحو) قوله تعالى ({فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ}) ضمن وسوس معنى ألقى، فعدى بإلى فكأنه قيل: فألقى إليه ({الشَّيْطانُ}) وسوسة فهذه جملة فيها خفاء؛ إذ لم تتبين تلك الوسوسة فبينت بقوله: ({قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى}) ومعلوم أنه لو اقتصر على قال ليكون بيانا فى المفردات لم يتم؛ وإنما تم البيان بذكر الفاعل ومتعلقات الفعل، كما لا يخفى (فإن) أى: إنما كان قوله: {قالَ يا آدَمُ} بيانا لقوله: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ} لأن (وزانه) أى: مرتبته مع ما قبله (وزان عمر) مع أبو حفص (فى قوله:
  أقسم بالله أبو حفص عمر)(١) ... ما مسها من نقب ولا دبر
  والنقب ضعف أسفل الخف فى الإبل والحافر فى غيرها من خشونة الأرض والدبر معلوم، ولما كان لفظ أبو حفص كناية يقع فيها الاشتراك كثيرا، احتيج إلى بيان مدلوله باللفظ المشهور وهو عمر وكذلك وسوسة الشيطان بينت بالجملة بعدها مع متعلقاتها لخفائها.
(١) البيت لأعرابي كما في عقود الجمان ص (١٧٩).