تعريف الإيجاز والإطناب
  عاميا فإن إدراك هذا القدر شأن كل أحد يطيق المحاورات؛ لأنه لا دقة فيه بل إنما يحتاج فيه إلى معرفة الوضع فقط.
  نعم التصرف فى اللطائف والدقائق الزائدة على أصل الوضع، شأن البلغاء والمحققين، ولا يتوقف المتعارف واستعماله على ذلك فالمتعارف معروف للفريقين عند كل حادثة، فيقاس به ويصح التعريف به. وقد تقدمت الإشارة إلى هذا والجواب عن الثانى أنا لا نسلم أيضا عدم معرفة البلغاء لمقدار ما يقتضيه كل مقام عند عروض النظر فيه، فيكون التعريف بما فيه البسط الموصوف معروفا بحسب البلغاء، لكن يقال التعريف حينئذ مستغنى عنه لمعرفة البلغاء للإيجاز، إلا أن يقال عرفوا معناه لا اسمه وفيه تعسف، وعلى هذا فلا رد إلى الجهالة فيهما للعلم بالأول مطلقا وفى الثانى عند البلغاء فليفهم.
  ثم لما بحث المصنف فيما ذكره السكاكى فى الإيجاز والإطناب وفى ضمن ذلك المساواة أشار إلى ما ارتضاه مما يشتمل على تعاريف هذه الثلاثة فقال: (والأقرب) إلى الفهم مما قال السكاكى (أن يقال) فيما يشمل بيان كل منها (المقبول من طرق التعبير عن المراد) هو (تأدية أصله) أى: أصل المراد والإضافة بيانية أى: الأصل الذى هو المراد (بلفظ مساو له) أى: مساو لأصل المراد، وذلك بأن يؤدى بما وضع لأجزائه مطابقة، وهذه التأدية هى المساواة فهى تأدية المراد بلفظ مساو (أو) تأدية أصل المراد بلفظ (ناقص) عن المراد بأن يؤدى بأقل مما وضع لأجزائه (واف) بذلك المراد، وسيأتى المحترز عنه بقوله: واف، وهذه التأدية هى الإيجاز فهو تأدية أصل المراد بلفظ ناقص واف وتأتى أمثلته.
  (أو) تأدية أصل المراد (بلفظ زائد عليه) بأن يكون أكثر مما وضع لأجزائه مطابقة (لفائدة) ويأتى محترز قوله لفائدة وهذه التأدية هى الإطناب فهو تأدية أصل المراد بلفظ زائد عليه لفائدة، وظاهره أن المساواة والإيجاز لا يتقيدان بالفائدة وفيه نظر؛ لأنهما حينئذ لا يكونان من البلاغة، فالأولى تقييدهما بها أيضا ويراد بها ما يعم كون المأتى به هو الأصل ولا مقتضى للعدول عنه كما فى المساواة، حيث لا توجد فى المقام مناسبة سواها وقد تقدم أن العدول عن الإطناب إليها يصيرها إيجازا وعن الإيجاز إليها