تعريف الإيجاز والإطناب
  (وأعلم علم اليوم والأمس قبله) ... ولكننى عن علم ما فى غد عمى(١)
  فقوله قبله حشو لأن الأمس يدل على القبلية لليوم وقد تعين للزيادة إذ لا يصح عطفه على اليوم كما عطف الأمس، فيكون التقدير: وأعلم علم قبله بالإضافة إلا بالتعسف وأيضا المناسب حيث أراد الجمع بين الثلاثة أعنى الغد واليوم وغيرهما أن يذكر الأمس؛ لأنه هو المستعمل كثيرا فى مقابلة كل من الغد واليوم لا لفظ القبل فيتعين للزيادة، فلا يقال هو كالمين بالنسبة إلى الكذب وهو غير مضر إذ لا يبطل بوجوده المعنى، وقد ورد هنا أن زيادته بمنزلة زيادة الأذن واليد مثلا فى قول القائل: سمعت بأذنى وكتبت بيدى؛ لأن السمع ليس إلا بالأذن والكتب ليس إلا باليد، فكما لم يجعلا وما أشبهما حشوا كذلك القبل.
  وأجيب بما أشرنا إليه فيما تقدم وهو أن زيادته ليست لقصد فائدة التأكيد عند خوف الإنكار أو وجوده أو تجويز الغفلة ونحو ذلك، بخلاف زيادة اليد والأذن فى المثال فلقصد التأكيد فى مقامه. وقيل إنه للتأكيد لئلا يتوهم أن علم اليوم قسيم علم الأمس لمضيه، فبين أن المضى وعلم اليوم لا يمنعان من علم الماضى بطريق التأكيد دفعا لهذا الوهم وفيه تكلف.
  ولما فرغ المصنف من ذكر الإيجاز والإطناب والمساواة بما يفيد تعريف كل منها، شرع فى تفصيل أمثلة كل منها، وفى بيان تفاصيل الإيجاز والإطناب الكثيرة ولم يعين لكل منها مقامه فى كل مثال اكتفاء بما تقدم، مما يفيد أن مقام المساواة هو مقام الإتيان بالأصل حيث لا مقتضى للعدول عنه، ومقام الإيجاز هو مقام حذف أحد المسندين أو المتعلقات، ومقام الإطناب مقام ذكر ما لا يحتاج إليه فى أصل المعنى لما يقتضيه كقصد البسط حيث الإصغاء مطلوب، ونحن نشير إلى ما ينبغى ذكره فى كل مثال منها فبدأ بالمساواة لكونها أصلا يقاس عليه الإيجاز والإطناب، فقال (المساواة) قد تقدم أنها لفظ أتى به ليدل على معناه بتمامه من غير أن يكون ناقصا عن أجزاء المعنى
(١) البيت لزهير بن أبى سلمى فى ديوانه ص (٢٩)، وشرح المعلقات السبع ص (٦٩)، وأورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص (١٤٤) ولسان العرب (عمى) وتهذيب اللغة (٣/ ٢٤٥).