مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

تعريف الإيجاز والإطناب

صفحة 634 - الجزء 1

  المراد ولا زائدا وإنما قلنا إنها أصل يقاس عليها مع أنها نسبة أيضا يتوقف تعقلها على تعقل غيرها؛ لأن تصورها من حيث ذاتها لا يتوقف على شيء بمعنى أن إدراك أن هذا دال على مجموع ما وضع له فقط من غير تعرض لأكثر من هذا لا يتوقف على شيء، ومن هذا الوجه يقاس عليها، وإنما يتوقف تعقلها من حيث وصفها بالمساواة المعتبرة اصطلاحا وهى أنها لفظ ليس فيه إيجاز أى: نقصان عن الأصل ولا إطناب أى: زيادة عليه ولا يحتاج إلى القياس عليها من هذا الوجه، ولكن لقائل أن يقول ما أنكره المصنف على السكاكى يرجع إليه كلامه؛ لأن التأدية بلفظ مساو يتعين أن يكون المراد بمساواته الوضعية، وهى إنما تعرف بالعرف اللغوى الذى يعلمه الأوساط؛ لأنهم إنما يتحاورون بمقدار ما يفيده الوضع فقد عاد الأمر إلى الإحالة على العرف.

  وقد يجاب بأن معرفة الوضع لا تتوقف على العرف فانظره فالمساواة هى (نحو) قوله تعالى ({وَلا يَحِيقُ})⁣(⁣١) أى: لا ينزل ({الْمَكْرُ السَّيِّئُ}) وهو من جانب الحق أن يفعل بالعبد ما يهلكه ({إِلَّا بِأَهْلِهِ}) إلا بمستحقه بعصيانه وكفره، فهذا الكلام مساواة؛ لأن المعنى قد أدى بما يستحقه فى التركيب الأصلى، والمقام يقتضى ذلك؛ لأنه لا مقتضى للعدول عنه إلى الإيجاز والإطناب وقيل: إن فى هذا الكلام إيجازا بحذف المستثنى منه أى: لا يحيق المكر السيئ بأحد إلا بأهله، وأجيب بأن تقدير المستثنى فى الكلام المفرغ نحو هذا إنما اقتضاه أمر لفظى لا معنوى ولذلك لو ذكر فى غير القرآن العزيز كان تطويلا، ولا يخفى ما فى ظاهر هذا الجواب من الإجمال والدعوى، وأما الإجمال فقوله اقتضاه أمر لفظى لا معنوى، فإنه إن لم يؤول لم يظهر؛ لأن المقتضى للتقدير كون إلا فى التركيب تفيد الإخراج كما أنها موضوعة لذلك فاقتضى ذلك تقدير المستثنى منه ليقع الإخراج منه، وهذا التصحيح الآخر أمر معنوى أى: محتاج إليه لتصحيح المعنى وأما الدعوى فقوله: لو ذكر كان تطويلا؛ لأن الخصم يقول لو ذكر كان مساواة، وليكن المراد بالأمر اللفظى مالا تتوقف إفادة المعنى عليه فى الاستعمال وإنما جر إلى تقديره مراعاة القواعد النحوية الموضوعة لأصل سبك تراكيب الكلام، وسماه أمرا لفظيا


(١) فاطر: ٤٣.