تعريف الإيجاز والإطناب
  لعدم توقف تبادر المعنى المقصود على تقديره؛ أو لأن المعنى المقصود وهو الحصر لو لا لفظ إلا لاستفيد بدون المقدر إذ لو قيل إنما يحيق المكر السيئ بأهله لم يحتج للتقدير، ولكن فيه بحث يأتى والمراد بالمعنوى ما يتوقف عليه تبادر المعنى المقصود فى الاستعمال، ولا شك أن الكلام المفرغ لا يتوقف التبادر فيه على هذا التقدير، وقيل أيضا إن فى الآية إطنابا بذكر السيئ بعد المكر، فإن المكر لا يكون إلا سيئا، (و) المساواة أيضا (نحو قوله) أى: النابغة فى النعمان بن المنذر:
  (فإنك كالليل الذى هو مدركى ... وإن خلت أن المنتأى عنك واسع)(١)
  شبه النابغة الملك فى حال سخطه وهوله بليل فى عمومه الأماكن، وبلوغه كل موطن فى أسرع لحظة بحيث لا يفلت منه أحد لسعة ملكه وبسطة يده، ولكونه فى كل بلد طائعون يردون إليه الهاربين فقال: إنه لا ينجيه من الملك موضع نأى أى: بعد وإن توهمه واسعا عن مكان الملك وتقدير الجواب للشرط فى نحو هذا التركيب لا يحتاج إليه من جهة إفادة المعنى حتى يكون إيجازا لتقدم ما يدل عليه، وإنما يحتاج إليه بالنظر إلى الصناعة اللفظية كما تقدم.
  فلو ذكر أيضا هنا كان تطويلا، ويرد على ما ذكر من كون الصناعة اللفظية هى التى اقتضت التقدير دون المعنى أن يقال إن أريد أن اللفظ المحتاج إليه فى صناعة التركيب إنما يكون حذفه إيجازا إن لم يتبادر المعنى بدونه لزم عدم تبادر المعنى من الإيجاز كله وهو فاسد إذ من الإيجاز ما يتبادر منه المعنى بالقرينة، وإن أريد أنه إنما يكون حذفه إيجازا إن لم يمكن تحويل التركيب إلى ما يفيد المعنى بدونه فهو فاسد أيضا إذ ما من تركيب إلا ويمكن تحويله إلى ما لا يحتاج فيه إلى ذلك اللفظ، وإن أريد أنه إنما يكون حذفه إيجازا إن وجب استعماله فى التركيب بدون القرينة وإنما يسقط فى بعض الأحيان للقرينة فهو فاسد أيضا؛ لأن ذكر المستثنى منه حيث يقصد وذكر الجواب كثير بل واجب بدون القرينة، وإنما يحذف للقرينة وإن أريد شيء آخر فلم يظهر بعد.
(١) البيت للنابغة فى ديوانه ص (٥٦)، ولسان العرب (طور) (نأى) وكتاب العين (٨/ ٣٩٣)، وتاج العروس (نأى) وأورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص (١٦٦).