إيجاز القصر
  وقد يجاب بأن المراد أن ما جرى عرف الاستعمال بالاستغناء عنه بلا قرينة خارجة عن ذلك الكلام المأتى به يكون تقديره مراعاة للقواعد المتعلقة باللفظ، فلا يكون حذفه إيجازا والمستثنى منه والجواب مستغنى عنهما فى ذلك التركيب وإنما يحتاج إليهما، ويكون حذفهما إيجازا إن قصدا وما جرى العرف بذكره بحيث لا يستغنى عنه فى نفس التركيب إلا بقرينة خارجية فيكون حذفه إيجازا للحاجة إليه فى المعنى وقد تقدمت الإشارة لهذا المعنى فليتأمل.
  ثم الإيجاز قد ينظر فيه إلى كثرة معناه بدلالة الالتزام والتضمن الحاصل بالعموم من غير أن يكون فى نفس التركيب حذف، ويسمى بهذا الاعتبار إيجاز القصر لوجود الاقتصار فى العبارة مع كثرة المعنى، وقد ينظر فيه إلى أن التركيب فيه حذف ويسمى إيجاز الحذف وإلى ذلك أشار بقوله (والإيجاز) من حيث هو (على ضربين):
إيجاز القصر
  الضرب الأول: (إيجاز القصر) أى: ما يسمى بإيجاز القصر (وهو ما) أى: الكلام الذى (ليس) ملتبسا (بحذف) فى نفس تركيبه ولكن فيه معان كثيرة اقتضاها بدلالة الالتزام أو التضمن وذلك (نحو) قوله تعالى: ({وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ}(١) فإن معناه) أى: ما قصد أن يفيده ولو بالالتزام (كثير ولفظه يسير) وذلك أنه لما دل بالمطابقة على الحكم بأن القصاص كانت فيه الحياة للناس، استفيد منه أن الحياة الكائنة فى القصاص ليست اتفاقية، وإلا ساواه كل شيء فى صحة اتفاق وجود الحياة فيه فتؤول فى وجه كونه سببا للحياة، فاستفيد من حقيقته التى هى أن يقتل القاتل ظلما أن ذلك إنما هو لما جبلت عليه النفوس من أن الإنسان إذا علم أنه إن قتل قتل وحده ولا يقتل غيره فيه لم يترخص فى أن يفعل ما يتلف به نفسه فحينئذ ينكف عن القتل فتحصل له الحياة، وتحصل معه للذى يعزم على قتله، والحياة الثانية بهذا الوجه غالبية لا كلية لإمكان الإقدام من السفيه على إتلاف نفسه، ثم هذا المعنى يستوى فيه جميع العقلاء
(١) البقرة: ١٧٩.