إيجاز القصر
  فعم ثبوت الحياة جميع الناس وهذا المعنى كثير استفيد من لفظ موجز وسيشير المصنف إلى مطالب أخرى تستفاد منه فيكثر بها معناه.
  ولكن إنما يكون من إيجاز القصر إذا قدر أن المعنى أن لكم فى نفس القتل بالقتل عند وجوده بشرطه تلك الحياة، ويكون اعتبار نفس القتل لذلك؛ لأن به يظهر الانزجار كل الظهور، وذلك لأن الإنسان إذا شاهد القتل بالقتل كان انزجاره أشد مما إذا لم يشاهده، وفيه بعد وكذا إذا أريد بالقصاص الحكم به مجازا، وأما إذا أريد ولكم فى مشروعية القصاص حياة وهو المتبادر فهو مما فيه إيجاز الحذف ثم الفرق بين إيجاز الحذف الآتى والمساواة ظاهر، وكذا الفرق بين مقاميهما كما تقدم.
  وأما الفرق بين إيجاز القصر والمساواة وبين مقاميهما، فهو: أن المساواة ما جرى به عرف الأوساط الذين لا ينتبهون لإدماج المعانى الكثيرة فى لفظ يسير، والإيجاز بالعكس ومقام المساواة كثير مثل أن يكون المخاطب ممن لا يفهم بالإيجاز أو لا يتعلق غرضه بإدماج المعانى الكثيرة، أو لكون المعنى نفسه لا يتحمل الكثرة ومقام الإيجاز كمتعلق الغرض بالمعانى الكثيرة، ويكون الخطاب مع من يتنبه لفهمها ولا يحتاج معه إلى بسطه.
  وقد تقدمت أيضا الإشارة إلى هذا فى قوله فى صدر الكتاب وكذا خطاب الذكى مع خطاب الغبى وقد أطنبت فى هذا المقام؛ لأنه من السهل الممتنع.
  وقوله (ولا حذف فيه) يعنى ليس فى قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ} حذف شيء يفتقر التركيب إليه فى تأدية معناه، وأما تقدير متعلق المجرور من فعل أو اسم فاعل فلأمر لفظى كما تقدم أى: لمراعاة القاعدة النحوية المتعلقة بالتراكيب، وهو أن المجرور لا بد له من متعلق ولم يحتج لتقديره لعدم احتياج إفادة المعنى فى العرف إليه، وهذا ظاهر فإنه لو قيل: زيد كان فى الدار، كان تطويلا فى عرف الاستعمال؛ لأن الواجب إسقاطه، وقد تقدمت الإشارة لهذا، ثم إن المعنى المشار إليه فى الآية الكريمة قد نطقت العرب بكلام قصدا لإفادته على وجه الإيجاز فأراد المصنف أن يفرق بين الكلام القرآنى والكلام الذى جرى فى ألسنتهم، ليبين الفضل بين الكلامين والفرق بين