الوجه الثامن: الاعتراض
  يكون الثانى بيانا للأول أو تأكيدا له أو بدلا منه أو معطوفا عليه، كما ينبئ عن ذلك التمثيل الآتى (بجملة) واحدة وهو متعلق بأن يؤتى أى: هو أن يؤتى بجملة واحدة فى أثناء الكلام أو بين الكلامين (أو) يؤتى فيما ذكر (بأكثر) من جملة واحدة، من وصف تلك الجملة أنها (لا محل لها من الإعراب) وكذا من وصف تلك الجمل حيث تعددن، أن لا محل لهن من الإعراب جزما وإنما قلنا جزما ليعلم أن ما يقال من أن الاعتراض، من حيث إنه نعت مثلا يكون له محل ومن حيث إنه اعتراض لا محل له كلام فاسد (لنكتة) أى: يشترط أن تكون تلك الجملة والجمل لنكتة (سوى دفع الإيهام) فخرج بعض صور التكميل، وهو ما يكون بجملة أو أكثر فى الإثناء؛ لأنه لدفع الإيهام وأما البعض الآخر وهو ما يكون آخرا فهو خارج من كون هذا فى الإثناء، ومثل للنكتة التى هى غير دفع الإيهام فقال وذلك (كالتنزيه) لله تعالى المناسب (فى قوله تعالى {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ})(١) فقوله تعالى: سبحانه جملة إذ هو مصدر منصوب بفعل مقدر من معناه أى أنزهه تعالى تنزيها وهو فى أثناء الكلام؛ لأن قوله: {وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ} معطوف على ما قبل قوله سبحانه.
  وقد تقدم أن إثناء الكلام يشمل ما بين المتعاطفين، أى: يجعلون لله تعالى البنات، ويجعلون لأنفسهم ما يشتهون من الذكور أى: يثبتون ذلك وتعدى فعل الفاعل المتصل إلى ضميره المتصل جائز إن كان بحرف الجر، ولو كان من غير أفعال القلوب، ويحتمل أن يتأول الجعل بما يرجع به إلى أفعال القلوب، والتنزيه هنا غاية فى المناسبة لزيادة تأكيد فى عظمته تعالى، وبعده عما أثبتوه فتزداد به الشناعة فى قولهم المقصود بيانها فى نسبة البنات إليه تعالى ونسبة البنين لأنفسهم؛ لأن سوق الكلام لبيان هذه الشناعة والتنزيه الواجب يؤكده مع أن التنزيه عند ذكر النقص مناسب مطلقا، ولو لم يكن لتأكيد الشناعة، ولو أعرب {وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ} جملة حالية، بأن يكون التقدير ويجعلون لله البنات، والحال أن لهم ما يشتهون من البنين، لم يبلغ منزلة إفادة هذه الشناعة المستفادة من العطف المؤكدة بالتنزيه، وذلك لأن المعنى حينئذ أنهم
(١) النحل: ٥٧.