الوجه الثامن: الاعتراض
  اعتقدوا النقص حال كونهم موصوفين بالكمال وليس فيه إلا أنهم ما قاموا بحق الشكر حيث تكلموا بالباطل مع أن سيدهم جعلهم بحال الكمال فى الأولاد، فليس فيه من الشناعة ما فى نسبتهم ما هو غير كامل لسيدهم ونسبتهم ما هو كامل لأنفسهم وجعلهم البنين لأنفسهم، بمعنى نسبتهم لأنفسهم استحقاق البنين أو نسبتهم تحقق وجود البنين لهم، وقد علم من تفسير هذا اللقب كغيره، مما يأتى ومما تقدم، أن أصل تلك الألقاب المعانى المصدرية وأن إطلاقها على الألفاظ بالتبع. وقد تقدم التنبيه على مثل هذا فى أول الألقاب.
  (و) ك (الدعاء) المناسب للحال (فى قوله) أى: فى قول عوف الشيبانى يشكو ضعفه (إن الثمانين)(١) سنة التى مضت لى من عمرى (وبلغتها) أى: وبلغك الله إياها (قد أحوجت سمعى) لما ثقل بمضيها (إلى ترجمان) وهو من يفسر ليسمع ما يقال بأجهر من الصوت الأول: والترجمان يجمع على تراجم كزعفران وزعافر وهو بفتح التاء، وربما ضمت لضمة الجيم فقوله: وبلغتها دعاء للمخاطب بإبلاغه ثمانين سنة والواو فيه واو الاعتراض، وليست عاطفة ولا حالية، وربما تلتبس بالحالية لصحة معنى كل منهما فى المقام ويكون الفرق بينهما بقصد التقييد للعامل فى الحالية، والتنبيه على أمر مستقل مناسب فى الاعتراضية كما فى قوله تعالى: {ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ ٥١ ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ}(٢) فإن قدر أن المعنى اتخذتم العجل حال كونكم ظالمين بوضع العبادة فى غير محلها، كانت لتقييد العامل فكانت واو الحال، وإن قدر وأنتم قوم عادتكم الظلم حتى يكون تأكيد لظلمهم بأمر مستقل لم يقصد ربطه بالعامل ولا كونه فى وقته كانت اعتراضا فالفرق بينهما دقيق كما لا يخفى من التركيب فجملة وبلغتها اعتراضية وهى دعاء، والنكتة فى الحقيقة كون الدعاء للمخاطب مما يسره ويستجلب إقباله حيث دعاله بما يتمناه كل أحد من طول العمر، وازدادت مناسبته بإيجاده عند ذكر الثمانين التى هى من طول العمر مع مناسبة إن ما ادعى من ثقل السمع إذا بلغها
(١) البيت لعوف بن محلم الشيبانى، وأورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص (١٦٣).
(٢) البقرة: ٥١، ٥٢.