مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

الوجه الثامن: الاعتراض

صفحة 677 - الجزء 1

  المخاطب صدقه فى ذلك تصديقا حسيا، ولا يقال فى هذا الدعاء دعاء بالضعف فلا يناسب ما سيق من أجله من إدخال السرور على المخاطب لأنا نقول: إن الغبطة فى طول العمر يتروج معها ذلك الضعف لعدم إمكانه إلا به (و) ك (التنبيه) للمخاطب على أمر يؤكد الإقبال على ما أمر به مما فيه مسرته (فى قوله) أى: الشاعر

  (واعلم فعلم المرء ينفعه ... أن سوف يأتى كل ما قدرا)⁣(⁣١)

  فإن قوله: أن سوف يأتى مخففة من الثقيلة، وضمير الشأن مستكن بعدها أى:

  واعلم أن الشأن هو هذا، وهو أن كل ما قدر سوف يأتى. وأمر المخاطب بهذا العلم وهو أن المقدر لا بد منه طال الزمان أو قصر؛ لأن ذلك مما يسهل عليه الصبر والتفويض، وترك منازعة الأقدار فى أمره، حيث علم أن ما قدر الله يأتيه وإن لم يطلبه وما لم يقدره لا يأتيه وإن طلبه.

  وهذا الأمر المأمور بعلمه أكد الأمر بالتنبيه له بالجملة الاعتراضية وهى قوله فعلم المرء ينفعه؛ لأن هذا مما يزيد تنبيها على طلب العلم حيث أفاد إن علم الإنسان بالشيء ينفعه فجاء فى غاية المناسبة. فالنكتة فيه التنبيه على أمر يؤكد الإقبال على ما أمر به كما تقدم، والفاء فيه اعتراضية ومع ذلك لا تخلو هنا عن شائبة السببية إذ كأنه يقول: وإنما أمرتك بالعلم بسبب أن علم المرء ينفعه، وإذا علم أن الاعتراض هو ما يكون بجملة لا محل لها من الإعراب فى الأثناء علم أنه يباين التتميم؛ لأن التتميم إنما يكون بفضلة، والفضلة لا بد لها من المحل والاعتراض لا محل له فهذا تباين فى اللوازم، وهو يؤذن بالتباين فى الملزومات، ويباين التكميل أيضا، لأنا شرطنا فى التكميل أن يكون لدفع ما يوهم خلاف المقصود، وفى الاعتراض أن يكون لغير ذلك الدفع فتباين لازماهما فلزم تباينهما ويباين الإيغال أيضا؛ لأنه شرط فى الإيغال أن لا يكون إلا فى آخر الكلام وشرط فى الاعتراض أن لا يكون إلا فى أثناء الكلام، أو بين كلامين متصلين.


(١) أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص (١٦٣).