مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح،

أحمد بن محمد بن يعقوب (المتوفى: 1128 هـ)

تعريف الوضع

صفحة 242 - الجزء 2

  بالوضع (بنفسه) خرج به التعيين للدلالة بواسطة القرينة؛ وهو وضع المجاز؛ كما سيخرجه المصنف وكون الدلالة على المعنى بالنفس لا بالقرينة يفيد أن العلم بوضع ذلك اللفظ كاف في فهم معناه عند إطلاقه عليه، فيشمل وضع الحرف كالاسم والفعل؛ لأن وضع الحرف إنما هو على أنه سمع حرف فهم معناه من غير توقف على قرينه؛ إذ وضعه واحد ولم تصحبه قرينة، فلا يحتاج في فهم معناه إلى قرينة، وإنما يحتاج إلى القرينة فيما أريد به غير ما وضع له أولا؛ كالمجاز لكن يرد أن يقال: فما معنى قولهم إذا: إن دلالة الحرف باعتبار مدخوله؛ فإن هذا أمر مشهور في الحرف، فحينئذ يتحقق بذلك توقفه على غيره فلا ينفهم معناه بمجرد العلم بوضعه، فكيف يصدق عليه الحد؛ والجواب عن ذلك - كما أشرنا إليه أن سماع الحرف كاف بعد العلم بوضعه في فهم المعنى بالنظر إلى نفسه؛ بمعنى أنه لم تصحب وضعه القرينة، ولا جعلت شرطا عند الوضع في فهم معناه؛ وهذا هو المراد بالدلالة بالنفس، وإنما جاء التوقف بالنظر إلى المعنى لكونه نسبيا لا ينفهم إلا باعتبار ما تعلق به، ويتمم ذلك بأن يدعي أن معنى كونه نسبيا كونه ملحوظا لغيره، لا كونه ذا نسبة تتعلق بين شيئين فقط، وإلا لزم كون نحو البنوة والأبوة حرفا؛ وبيان ذلك أن يقال: الحرف وضعه الواضع للمعنى الملحوظ ليتوصل به إلى غيره، فإنه كما يفتقر إلى وضع اللفظ للمعنى الملحوظ لذاته نسبيا كان بأن توقف فهمه على فهم غيره، أو غير نسبي بأن لم يتوقف، كذلك يفتقر إلى وضع اللفظ للمعنى النسبي الملحوظ لغيره؛ فحينئذ يكون الحرف بالنظر إلى نفس وضعه كافيا في الدلالة؛ لأن الواضع لم يعتبر لذلك المعنى إلا نفس الحرف دون قرينة، ولا يضر كون نفس المعنى نسبيا لا يفهم إلا باعتبار معنى آخر يدل عليه لفظ سوى الحرف؛ لأن ذلك أمر عارض انجر إليه الأمر عند الاستعمال، فعدم كفايته عند الاستعمال لا بالنظر إلى الوضع الأصلي؛ لأن الحرف لم يوضع مقرونا بالمجرور، كما لم يضر في وضع الاسم للمعنى النسبي المفتقر إلى ملازمة الإضافة لأنها عارضة تابعة - كون الاسم احتاج في الفهم عند الاستعمال إلى المضاف إليه وإنما قلنا: عند الاستعمال لأن لزوم الإضافة لا يقتضي وضع الاسم معها، إذ غاية ما يقتضيه لزومها أن الاستعمال لا ينفك عنها، لا