وأما مفهوم المخالفة:
وأما مفهوم المخالفة:
  فلأنه إذا اقترن الحكم بوصف دلّ على أن غيره من الأوصاف المقابلة له يتعلق بها حكم مخالف لحكم الوصف المنطوق فيكون هذا الوصف المفهوم علة يتعلق بها الحكم المفهوم، وكذلك الغاية والشرط والحصر والعدد تدل على أن ما خالفها علّة يتعلق بها حكم مخالف لما تعلق بها من الأحكام المنطوقة؛ ألا ترى أن معلوفة الغنم لا تجب فيها الزكاة بدليل قول النبي ÷: (في الغنم السائمة زكاة) وأنها لم تذكر في الكلام وصاحب الحال إذا لم يذكر في الكلام صدق عليه حقيقة المفهوم ومثل ذلك مفهوم العدد فإن قول النبي ÷: (في كل اربعين شاةً شاةٌ) دل بمنطوقه على أن الأربعين علّة في وجوب الزكاة ودل بمفهومه على أن ما دون الأربعين علة في عدم وجوب الزكاة.
  وكذلك الشرط فقد دل قول الله تعالى: {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}[الحجرات: ٦] بمنطوقه على أن الفاسق علة في وجوب التبيّن والنظر في صحة وصدق ما جاء به من الأخبار ودلت الآية بمفهومها أن العدل علة في عدم وجوب التبين والنظر في صدق ما جاء به.
  و الغاية فإن قول الله تعالى: {وَلاَ تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}[البقرة: ١٩٦] ... دل بمنطوقه على أن بلوغ الهدي محِلّه وهو يوم العاشر من ذي الحجة علةٌ في جواز حلق الشعر ودلّت الآية بمفهومها على أن ما قبل اليوم العاشر وهو التاسع والثامن وغيرها من الأيام التي أُحرِم فيها للحج علةٌ في تحريم حلق الشعر.
  ومثل ما تقدم الاستثناءُ بعد النفي من طرق الحصر فإنه إذا جاء في الكلام دلّ على أن ما بعد حرف الاستثناء بالمنطوق علّةٌ مثاله قول النبي ÷: (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) فإنه يؤخذ منه بدلالة المنطوق أن قراءةَ فاتحة الكتاب علّةٌ في صحة الصلاة ويؤخذ منه بدلالة المفهوم أنّ ترك قراءتها في الصلاة من المستطيع علّةٌ في فساد الصلاة.