الدخول إلى فهم الأصول،

يحيى محمد عبدالله عوض (معاصر)

مسألة: ورود العام في المدح والوعيد

صفحة 117 - الجزء 1

  ثم اعلم أن الذي عليه جمهور العلماء أن دلالة العام على أفراده ظنية، والذي صيرها ظنيةً هو احتمال التخصيص، ودلالة العام على أفراده ظاهرة غير مجملة، وكذلك دلالته بعد التخصيص ظاهرة غير مجملة إلا إذا خُصَّ بمجملٍ فإنه يكون مجملاً نحو قوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ}⁣[الأنعام: ١] فقوله: {إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} مجملٌ خص به عموم قوله: {بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ} فصار مجملاً لا يظهر لنا حلاله من حرامه، فإذا أتى مبيِّن المخصص المجمل زال الإجمال وصار العام المخصص بمجملٍ ظاهراً بيِّناً.

  مثال ذلك: قوله تعالى مبيناً لما أوعد بتلاوته: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ}⁣[المائدة: ٣] بين الله تعالى ما حرم من بهيمة الأنعام فزال الإجمال وعرفنا الحلال من بهيمة الأنعام والحرام منها.

مسألة: ورود العام في المدح والوعيد

  واعلم أن العام الوارد في آية سيقت للوعيد ظاهر غير مجمل نحو قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ٣٤}⁣[التوبة].

  وأن العام الوارد في آية سيقت للمدح كذلك ظاهر غير مجمل نحو قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}⁣[البقرة: ٢٩] فيصح الاستدلال بالآية الأولى على وجوب الزكاة في كل ذهب وفضة، وكذلك الآية الثانية يصح الاستدلال بها على إباحة جميع ما في الأرض إلا ما خصه دليل، ويصح الاستدلال بها أيضاً على أنّ أصل كل الأشياء الإباحة، والعام فيما ذكرنا يبقى عاماً لعدم المقتضي للتخصيص.

  مسألة لا يقصر العموم على سببه:

  ورد في القرآن الكريم وكذلك في السنة عمومات أسبابها خاصة نحو آية السرقة قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}⁣[المائدة: ٣٨] سبب نزولها كما روى المفسرون طعمة ابن أبيرق سارق الدرع.