الدخول إلى فهم الأصول،

يحيى محمد عبدالله عوض (معاصر)

باب الترجيح

صفحة 176 - الجزء 1

باب الترجيح

  الدليل: هو ما أفاد العلم.

  والأمارة هي ما أفادت الظن.

  إذا عرفت ذلك فالدليل القطعي لا يعارضه دليل قطعي وذلك لأن القطعي ثابت قطعاً من الشارع، وما ثبت قطعاً من الشارع وجب العمل بمقتضاه قطعاً فيمتنع أن يعارض القطعي قطعي مثله للزوم اجتماع النقيضين، وهو أن يكون الشيء الواحد محرماً مباحاً، دليل يبيحه ودليل يحرمه، وذلك محال من الشارع وقوعه.

  وكذلك لا يعارض القطعيَّ ظنيٌّ لأن الظنيَّ لا يقوى على معارضة القطعي فيضمحل الظني عند القطعي ويبطل.

  ودليل العقل لا يعارضه الشرعي وذلك لأن الله فطر العقل محسناً ومقبحاً يدرك الحسن ويدرك القبيح وهداه النجدين فإذا حكم العقل بحسن شيء أو بقبحه فإنّ الشرع لا يحكم بخلافه؛ لأن الشيء الواحد لا يكون حسناً قبيحاً في حالة واحدة.

  وما جاء من حكم شرعي مخالف لحكم العقل فإنما هو بحسب الظاهر لوجود ما يقضي بموافقة حكم الشرع لحكم العقل، وذلك نحو قوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ ...}⁣[المائدة: ١] أحل الله ذبح الحيوان، والعقل يحكم بقبح ذبحه لما فيه من الإيلام والضرر لكن الله قد ضمن لها العوض والنعيم المقيم الدائم، والله لا يخلف الميعاد مقابل ما يلحقها من الألم ومن سلب حياتها، فعند ذلك حكم العقل بحسن ذبحها؛ لأن الضرر إذا قابله نفع حسن وحكم العقل بحسنه.

  وإذا تعارض دليلان ظنيان فتعارضهما إنما هو بحسب الظاهر ونظر المجتهد لا في نفس الأمر لتعذر وقوعه من الشارع، ولا يحكم بالتعارض إلا إذا لم يمكن الجمع بين الدليلين بتأويل ولا تخصيص، أما إذا أمكن الجمع فهو الواجب على المجتهد.