الدخول إلى فهم الأصول،

يحيى محمد عبدالله عوض (معاصر)

الدوران

صفحة 152 - الجزء 1

الدوران

  هو وجود شيء عند وجود غيره وعدمه عند عدمه مثاله: اتحاد الجنس في ما يُكال أو يوزن فإننا رأينا الشارع حرم التفاضل في كلِّ شيء وُجِد فيه هذا الوصف فمن ذلك ما روى الهادي ÷ في الأحكام بقوله: وفي ذلك ما بلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ÷ أنه قال: (أُهديَ لرسول الله ÷ تمرٌ فلم يُرِد منه شيئاً وقال لبلالٍ دونك هذا التمر حتى أسألك عنه فانطلق بلالٌ فأعطى التمر مثلين بواحد فلمّا كان من الغد قال له يا بلال إئتنا بخبيئتنا التي استخبيناك فلمّا جاء بلال بالتمر قال رسول الله ÷ ما هذا الذي استخبيناك فأخبره بالذي صنع فقال رسول الله ÷ هذا الحرام الذي لا يصلح أكله انطلق فاردده على صاحبه، وأمُرْهُ أن لا يبيع هكذا ولا يبتاع ثم قال رسول الله ÷ الذهب بالذهب مثلاً بمثل والفضة وبالفضة مثلاً بمثل والتمر بالتمر مثلاً بمثل والشعير بالشعير مثلاً بمثل والبرّ بالبُرّ مثلاً بمثل والذرة بالذرة مثلاً بمثل فمن زاد أو ازداد فقد أربا والملح بالملح مثلاً بمثل) انتهى، ففي هذا دلالة واضحة بيّنة على تحريم التفاضل في الذهب وعلى تحريم التفاضل في الفضة وعلى تحريم التفاضل في التمر وعلى تحريم التفاضل في الشعير وعلى تحريم التفاضل في البر وعلى تحريم التفاضل في الذرة وعلى تحريم التفاضل في الملح.

  ثم دّل هذا الحديث على أن اتحاد الجنس هو الموجب لتحريم التفاضل لاقترانه بالحكم ودورانه معه وجوداً وعدماً ألا ترى أن الذهب بالذهب جنسٌ واحدٌ وكذلك الفضة بالفضة وكذلك البر بالبر وكذلك الشعير بالشعير كل واحد منها جنسٌ ثم وجدنا هذه الأصناف المذكورة في الحديث كلها مثليّة منها ما هو موزون وهو الذهب والفضة ومنها ما هو مكيل وهو البر والشعير والذرة والتمر والملح دلّنا ذلك على أن اتحاد الجنس في المكيل والموزون علّة في تحريم التفاضل فقد دلّ على هذه العلّة دليلان الأول الإيماءُ وذلك لاقتران الحكم بالوصف، والثاني الدورانُ وذلك لوجود الحكم وهو تحريم التفاضل عند وجود الوصف وهو اتحاد الجنس في المكيل والموزون.