الدخول إلى فهم الأصول،

يحيى محمد عبدالله عوض (معاصر)

القرينة

صفحة 85 - الجزء 1

القرينة

  اعلم أنه يجب أن يقترن بالمجاز دليل يصرف اللفظ عن ظاهره الذي هو المعنى الحقيقي وهذا الدليل يسمى قرينة، والقرينة نوعان لفظية ومعنوية:

  ١ - فاللفظية هي أن يكون في الكلام لفظ متصل بالمجاز أو منفصل عنه يدل على أن المراد باللفظ غير ظاهره.

  مثال المتصلة: «رأيت أسداً يرمي» «يرمي» قرينة متصلة بالمجاز الذي هو «أسدٌ» في المثال.

  وكذلك العموم المخصَّص بمخصِّص متصل مجاز قرينته متصلة نحو: «جاء القرشيون إلاَّ هاشماً» «القرشيون» كلمة عامة لجميع أفرادها ولكنها استعملت مراداً بها بعض أفرادها بقرينة الاستثناء فهي مجاز.

  ومثال القرينة اللفظية المنفصلة: العمومات المخصَّصة بمخصِّص منفصل، وأمثلته كثيرة نحو: «فيما سقت السماء العشر»، مع قوله ÷: «ليس فيما دون خمسه أوسق صدقة».

  فلفظ «ما» في الحديث الأول عام لكل ما سقت السماء من قليلٍ وكثيرٍ، وأريد بها بعض أفرادها وهو الكثير المقدر بخمسة أوسق فما فوق، فهو مجاز لأنه لفظ مستعمل في غير ما وضع له، وقرينته لفظية منفصلة وهي الحديث: «ليس فيما دون ... الحديث».

  ٢ - والقرينة المعنوية تكون عاديَّة أي ترجع إلى العادة نحو: «هزم الأمير الجيش» إذ العادة تمنع أن يكون الأمير وحده يستطيع التغلب على جيش كامل وهزمه، ونحو: «بنى الإمام سور المدينة» فإن العادة قرينة دالة على أن العمال هم الذين يتولون البناء.

  وتكون عقليةً نحو قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}⁣[القصص: ٨٨] فإن العقل يحكم باستحالة أن يكون لله وجهٌ تعالى عن ذلك علوُّاً كبيراً لأن الله ليس بجسم ولأنه خالق الأجسام ولأنه قديم والقديم يستحيل أن يكون له وجه لاستحالة أن يكون جسماً، فلم يبق إلا أن يكون مجازاً عُبِّر به عن ذات الله تعالى.