الدخول إلى فهم الأصول،

يحيى محمد عبدالله عوض (معاصر)

وحدة الحق

صفحة 188 - الجزء 1

  ووجوب عمل المجتهد بظنه وما أدَّى إليه نظره لا يدل على تعدُّد الحق وإنما يدل على وجوب الاجتهاد على القادر عليه.

  والدليل على وحدة الحق في الأحكام الفرعية حكم سعد بن معاذ في بني قريظة فقد قال رسول الله ÷ لبني قريظة: «ألا ترضون أن نحكمِّ رجلاً منكم؟» قالوا: بلى، قال: «فذلك إلى سعد بن معاذ» وقد كان سعد بن معاذ مصاباً في أكحله، وكان النبي ÷ قد جعله في خيمة في جانب مسجده ليعوده من قريب، فأتاه قومه فاحتملوه على حمار وأقبلوا به وهم يقولون: يا أبا عمرو أحسن في مواليك، فيقول لهم: قد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم، فحينئذ أيس قومه من بني قريظة ونعوهم إلى أهليهم قبل أن يحكم.

  ولما أقبل إلى النبي ÷ قال النبي ÷ لمن عنده: «قوموا إلى سيدكم» فحكم سعد بقتل الرجال، وفي رواية: بقتل مقاتليهم وقسمة أموالهم، وسبي ذراريهم ونسائهم، فقال النبي ÷: «لقد حكمت بحكم الله تعالى من فوق سبعة أرقعة».

  وحديث صاحب الشجة وهو ما روى جابر قال: كنا في سرية فأصاب رجلاً منا شجة في رأسه ثم احتلم فقال لأصحابه: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات؛ فلما أخبر النبي ÷ بذلك قال: «قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذا لم يعلموا فإنما شفاء العيِّ السؤال إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه بخرقه ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده».

  فقد صوّب النبي ÷ سعد بن معاذ لما وافق الحق، وخطّأ أصحاب السَّرية لمَّا أخطئوا الحق.

  وكذلك ما روى أبو هريرة عنه ÷: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا أخطأ فله أجر واحد».

  وعن عقبة بن عامر عنه ÷ «اقض بينهما - يعني خصمين - فإن أصبت فلك عشر حسنات وإن أخطأت فلك حسنة واحدة».

  وفي هذين الحديثين تصريح بمحل النزاع، وهو أنه ليس كل مجتهد مصيبا وأن الحق من الأقوال واحد.