الدخول إلى فهم الأصول،

يحيى محمد عبدالله عوض (معاصر)

معنى «كل مجتهد مصيب»:

صفحة 189 - الجزء 1

  فإن قيل: إن قوله: «اختلاف أمتي رحمة» يدل على أن كل مجتهد مصيب.

  قلنا: ليس في الحديث دلالة على تعدُّد الحق، وإنما يدل على ترخيص الله لعباده في العمل وتوسيعه عليهم حيث كلف العلماء المجتهدين بالنظر والاجتهاد، ورخص لغيرهم بالعمل بأقوال المجتهدين بمذهب هذا العالم أو هذا العالم، رحمة من الله لعباده؛ لما علم من ضعفهم وما فيه صلاح أمورهم.

  فلو أنَّ الله تعالى عيَّن حكم كل مسألة، وألزم بالعمل به على كل الأنام لكان فيه ضيق على العباد فحينئذٍ نعلم الحكمة في الاجتهاد وهو التوسيع في التقليد والعمل بأحدها.

  فإن قيل: إن الله تعالى نهى عن التفرق والاختلاف فقال: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}⁣[آل عمران: ١٠٥].

  وقال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}⁣[آل عمران: ١٠٣].

  وقال تعالى: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}⁣[الشورى: ١٣].

  قلنا: الاختلاف المحرم هو الاختلاف في العقائد ومخالفة الحق والمحقين بعد تبين الحق وظهوره، وأما المسائل الفرعية فينبغي الاتفاق فيها ما أمكن، وإن لم يمكن وجب على كل مجتهد العمل بما أدى إليه نظره.

معنى «كل مجتهد مصيب»:

  معناه أن الواجب على المجتهد العمل والحكم باجتهاده فإذا نظر ووفى الاجتهاد حقه وأداه نظره إلى حكم معين في مسألة فقد أدَّى ما أوجب الله عليه وأصاب ما هو مكلف به وهو الاجتهاد والحكم به والعمل، فيستحق من الله الثواب تفضلاً على الواجب، فكل مجتهد مصيب ما أوجب الله عليه وثوابه مطلقاً إلا أن ثواب الذي أصاب الحق مضاعف لما تقدم في حديث أبي هريرة وحديث عقبة بن عامر.