القرآن مبين
القرآن مبين
  واعلم أن القرآن أنزله الله إلينا مبيناً، وما خفي منه شيء بينه الله في موضع آخر لمصلحة في ذلك، نحو قوله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ٧}[النساء]، روي في سبب نزول هذه الآية أن أوس بن ثابت الأنصاري مات عن زوجة وثلاث بنات وابني عم هما سويد وعرفجة فأخذ سويد وعرفجة كل ما ترك أوس من مال وقالا: لا يأخذ الميراث إلا من يحمل السيف ويركب الخيل، وكانوا في الجاهلية لا يقسمون للنساء، ولا للطفل الذي لم يبلغ الحلم من الميراث، فجاءت أم كحة زوجة أوس إلى رسول الله ÷ تشكو ما فعل سويد وعرفجة فنزلت هذه الآية: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ} فأرسل رسول الله ÷ إليهم أن لا يُحْدِثوا في مال أوس شيئا حتى ينزل البيان من عند الله تعالى فلما نزل قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيماً}
  أمر رسول الله ÷ بقسمة مال أوس على ما بين الله تعالى، فأعطى البنات الثلثين، والزوجة الثمن، وما بقي من المال لسويد وعرفجة، فالنصيب المذكور في الآية رقم سبعة من سورة النساء خفي مجمل مشتبه، وقد بينه الله تعالى في الآية رقم إحدى عشرة من سورة النساء.
  وأيضاً ليس في القرآن ما لا معنى له فلو خاطبنا الله بكلام مجمل ولم يبينه مطلقاً، أو بكلام لا معنى له لكان قبيحاً والله يتعالى عن ذلك.