الدخول إلى فهم الأصول،

يحيى محمد عبدالله عوض (معاصر)

المفهوم

صفحة 65 - الجزء 1

  الأكل والشرب إلى طلوع الفجر، وأفادت بالمفهوم مفهوم الغاية تحريم الأكل والشرب بعد طلوع الفجر، و «حتى» حرف غاية ومثلها «إلى» تفيد في الخطاب غاية ومغيَّا، فالغاية في المثال الأول دخول الليل، وفي المثال الثاني طلوع الفجر، والمغيَّا في المثال الأول الصيام، وفي المثال الثاني جواز الأكل والشرب.

  ثم اعلم أن «إلى» تأتي لغير الغاية فيكون ما بعدها داخلاً في حكم ما قبلها وتكون بمعنى مع وذلك في نحو قوله تعالى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}⁣[المائدة: ٦] فإن المرافق داخلة في وجوب غسل اليد معها كما ذلك مروي من صفة وضوء رسول الله ÷ ففعل النبي ÷ قرينة على أن المراد بقوله: «إلى المرافق» مع المرافق.

  والراجح عندي أن ثبوت الحكم لما بعد أداة الغاية من المنطوق، لأن المنطوق هو ما كان صاحب الحالة - وهو الذي تعلّق به الحكم - مذكوراً في الكلام ألا ترى أن قوله تعالى: {وَلاَ تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}⁣[البقرة: ١٩٦] قد دلّ على جواز حلق الرأس وقت بلوغ الهدي محلّه، ودلّ على أن بلوغ الهدي محله علّة لجواز حلق الرأس، وهو كما ترى مذكور في الآية.

  وللغاية حرفان هما (إلى وحتى) موضوعان لتخصيص الزمان والمكان، أمّا الزمان فكقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ}⁣[البقرة: ١٨٧] فإنّ (إلى) أخرجت الليل من وجوب الصيام.

  وكقوله تعالى: {وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}⁣[الطلاق: ٦] فإن حرف الغاية وهو (حتى) أخرج زمان وضع الحمل وما بعده عن وجوب النفقة.

  وأمّا المكان فكقوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ}⁣[المائدة: ٦] فقد أخرجت (إلى) ما فوق الكعبين عن وجوب الغسل لكنها لم تُخرِج الكعبين لأنها بمعنى (مع) وكونها بمعنى (مع) لا يُخرجها عن التخصيص مطلقاً بل عن تخصيص الغاية فقط، وأما ما بعد الغاية فمُخرَجٌ مخصَّصٌ بها.