الدخول إلى فهم الأصول،

يحيى محمد عبدالله عوض (معاصر)

معاني الأمر المجازية

صفحة 92 - الجزء 1

  وقوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا}⁣[الطلاق: ٨]، فجعل الله العتو عن الأمر سبباً لاستحقاق العذاب والحساب الشديد وذلك دليل الوجوب.

  وقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}⁣[النور: ٦٣]، في الآية وعيد بالعذاب الأليم على مخالفة الأمر وهو قوله تعالى في أول الآية: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ ...}⁣[النور: ٦٣].

  وكذلك قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}⁣[البقرة: ٣٤]، فقد جعل الله ترك السجود معصية وكفراً وذلك دليل على أن الأمر وهو «اسجدوا» يفيد الوجوب لأن الكفر هو ترك ما أوجب الله.

  فثبت بما ذكرنا من الأدلة أن الأمر موضوع للوجوب لغةً وشرعاً، فإذا ورد من الشارع صيغة أمرٍ حملناه على الوجوب إلا لقرينة تصرفه عن الظاهر.

  فمثال الوجوب قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ}⁣[البقرة: ٢١]، دل الأمر على وجوب عبادة الله تعالى بصيغته ولم توجد قرينة تصرفه عن الوجوب.

معاني الأمر المجازية

  وترد صيغة الأمر لمعانٍ غيرِ الوجوب فيكون مجازاً.

  ١ - فيرد الأمر للندب مجازاً، نحو قوله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ ...}⁣[النساء: ٨] دل الأمر وهو قوله: «ارزقوهم» على الندب والقرينة على أن المراد به غير معناه الحقيقي وهو الوجوب، وأن المراد به الندب هي أن الله قد أعطى كل ذي حق حقه وبينه في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ...}⁣[النساء: ١١]، فعلم من هذه الآية أن الأمر للندب فيما تقدم.