موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم،

التهانوي (المتوفى: 1158 هـ)

الاستحالة:

صفحة 146 - الجزء 1

  الشيخ محي الدين العربي في الفتوحات بسنده إلى الإمام أبي حنيفة أنه كان يقول: إياكم والقول في دين اللّه بالرأي، وعليكم باتباع السنّة، فمن خرج منها ضلّ؛ فإن قيل إن المجتهدين قد صرّحوا بأحكام في أشياء لم يصرّح في الشريعة بتحريمها ولا بإيجابها فحرّموها وأوجبوها، فالجواب: أنهم لولا علموا من قرائن الأدلّة بتحريمها أو بإيجابها ما قالوا به، والقرائن أصدق الأدلة، وقد يعلمون ذلك بالكشف أيضا فتشاهد به القرآن، وكان الإمام أبو حنيفة يقول: القدرية مجوس هذه الأمة والشيعة الدّجال، وكان يقول: حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي، وكان إذا أفتى يقول: هذا رأي أبي حنيفة، وهو أحسن ما قدّرنا عليه، فمن جاء بأحسن منه فهو أولى بالصواب، وكان يقول: إياكم وآراء الرجال، إلى قوله⁣(⁣١) فكيف ينبغي لأحد أن ينسب الإمام إلى القول في دين اللّه بالرأي الذي لا يشهد له كتاب ولا سنّة. وكان يقول: عليكم بآثار السلف، وإياكم ورأي الرجال، وكان يقول: لم يزل الناس في صلاح ما دام فيهم من يطلب الحديث فإذا طلبوا العلم بلا حديث فسدوا، وكان يقول: لا ينبغي لأحد أن يقول قولا حتى يعلم أنّ شريعة رسول اللّه تقبله، وكان يجمع العلماء في كل مسألة لم يجدها صريحة في الكتاب والسنّة ويعمل بما يتفقون عليه فيها، وكذلك كان يفعل إذا استنبط حكما فلا يكتبه حتى يجمع عليه علماء عصره فإن رضوه قال لأبي يوسف: اكتبه، فمن كان على هذا القدم من اتّباع السنّة كيف يجوز نسبته إلى الرأي، معاذ اللّه أن يقع في مثل ذلك عاقل، فضلا عن فاضل، انتهى من الميزان. ولذا قيل: الحقّ أنه لا يوجد في الاستحسان ما يصلح محلا للنزاع.

  أما من جهة التسمية فلأنه اصطلاح ولا مشاحة في الاصطلاح، وقد قال اللّه تعالى:

  {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ}⁣(⁣٢)، وقال النبي : «ما رآه المسلمون حسنا فهو عند اللّه حسن»⁣(⁣٣) وقال النبي «من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء»⁣(⁣٤) رواه مسلم⁣(⁣٥). ونقل عن الأئمة إطلاق


= ٨٩٨ هـ / ١٤٩٣ م. وتوفي بالقاهرة عام ٩٧٣ هـ / ١٥٦٥ م. من علماء الصوفية. له تصانيف هامة، الأعلام ٤/ ١٨٠، خطط مبارك ١٤/ ١٠٩، آداب اللغة ٣/ ٣٣٥، شذرات الذهب ٨/ ٣٧٢، معجم المطبوعات ١١٢٩.

(١) إلى قوله (- م، ع).

(٢) الزمر / ١٨.

(٣) أخرجه أحمد في المسند، ١/ ٣٧٩، عن عبد اللّه بن مسعود بلفظ: «إن اللّه نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فأبعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسنا فهو عند اللّه حسن. وما رأوه سيئا فهو عند اللّه سيئ». وعند أبي داود الطيالسي بلفظ: «فما رآه المؤمنون حسنا فهو عند اللّه حسن، وما رآه قبيحا فهو عند اللّه قبيح». المسند ٣٣.

(٤) هذا جزء من حديث أخرجه مسلم في الصحيح، ٤/ ٢٠٥٩، عن جرير بن عبد اللّه، كتاب العلم (٤٧)، باب من سن في الإسلام سنة حسنة أو سيئة (٦)، حديث رقم ١٥/ ١٠١٧، وتمامه «من سن في الإسلام سنة حسنة، فعمل بها بعده، كتب له مثل آخر من عمل بها، ولا ينقص من أجورهم شيء. ومن سن سنة سيئة، فعمل بها بعده، كتب عليه مثل وزر من عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيء».

(٥) مسلم: هو الإمام مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، أبو الحسين. ولد بنيسابور عام ٢٠٤ هـ / ٨٢٠ م. وتوفي بضواحي نيسابور عام ٢٦١ هـ / ٨٧٥ م. حافظ من أئمة الحديث وعلمائه. له العديد من المصنفات خاصة الصحيح في الحديث. الأعلام ٧/ ٢٢١، تذكرة الحفاظ ٢/ ١٥٠، تهذيب التهذيب ١٠/ ١٢٦، وفيات الأعيان ٢/ ٩١، تاريخ بغداد ١٣/ ١٠٠، طبقات الحنابلة ١/ ٣٣٧، البداية والنهاية ١١/ ٣٣.