فائدة:
  لانتفاء قديمين، فلا قديم إلّا اللّه وحده، ويلحق بذاته جميع أسمائه وصفاته لاستحالة الانفكاك، وما سوى ذلك فمخلوق. فالإنسان مثلا له جسد وهو صورته وروح هو معناه وسرّ هو الروح ووجه وهو المعبّر عنه بروح القدس وبالسرّ الإلهي والوجود الساري. فإذا كان الأغلب على الانسان الأمور التي تقتضيها صورته وهي المعبّر عنه بالبشرية وبالشهوانية فإنّ روحه يكتسب الرسوب المعدني الذي هو أصل الصورة ومنشأ محلها، حتى كاد تخالف عالمها الأصلي لتمكّن المقتضيات البشرية فيها، فتقيّدت بالصورة عن إطلاقها الروحي، فصارت في سجن الطبيعة والعادة وذلك في دار الدنيا، مثال السجين في دار الآخرة بل عين السجين هو ما استقر فيه الروح، لكن السجين في الآخرة سجن محسوس من النار وهي في الدنيا هذا المعنى المذكور لأنّ الآخرة محل تبرز فيه المعاني صورا محسوسة، وبعكسه الإنسان إذا كان الأغلب عليه الأمور الروحانية من دوام الفكر الصحيح وإقلال الطعام والمنام والكلام وترك الأمور التي تقتضيها البشرية، فإنّ هيكله يكتسب اللّطف الروحي فيخطو على الماء ويطير في الهواء ولا يحجبه الجدران وبعد البلدان، فتصير في أعلى مراتب المخلوقات وذلك هو عالم الأرواح المطلقة عن القيود الحاصلة بسبب مجاورة الأجسام، وهو المشار إليه بقوله {إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ}(١).
فائدة:
  اختلفوا في المراد(٢) من الروح المذكور في قوله تعالى {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}(٣) على أقوال. فقيل المراد به ما هو سبب الحياة.
  وقيل القرآن يدلّ عليه قوله {وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا}(٤) وأيضا فبالقرآن تحصيل حياة الأرواح وهي معرفة اللّه تعالى. وقيل جبرئيل لقوله {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ١٩٣ عَلى قَلْبِكَ}(٥). وقيل ملك من ملكوت السماوات هو أعظمهم قدرا وقوة وهو المراد(٦) من قوله {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا}(٧).
  ونقل عن علي ¥ أنه قال هو ملك له سبعون ألف وجه، لكل وجه سبعون ألف لسان، لكل لسان سبعون ألف لغة يسبّح اللّه تعالى بتلك اللغات كلّها، ويخلق اللّه تعالى بكل تسبيحة ملكا يطير مع الملائكة إلى يوم القيمة. ولم يخلق اللّه تعالى خلقا أعظم من الروح غير العرش. ولو شاء أن يبلع السماوات السبع والأرض السبع ومن فيهن بلقمة واحدة.
  ولقائل أن يقول هذا ضعيف لأنّ هذا التفصيل ما عرفه علي ¥ إلّا من الرسول ÷ فلما ذكر النبي ÷ ذلك الشرح لعلي ¥، فلم لم يذكره لغيره. ولأنّ ذلك الملك إن كان حيوانا واحدا وعاقلا واحدا لم يمكن تكثير تلك اللغات. وإن كان المتكلم بكل واحدة من تلك اللغات حيوانا آخر لم يكن ذلك ملكا واحدا بل كان مجموع ملائكة. ولأنّ هذا شيء مجهول الوجود فكيف يسأل عنه كذا في التفسير الكبير. وقيل الروح خلق ليسوا بالملائكة على صورة بني آدم يأكلون ولهم أيد وأرجل ورؤوس.
(١) الانفطار / ١٣.
(٢) المقصود (م، ع).
(٣) الاسراء / ٨٥.
(٤) الشورى / ٥٢.
(٥) الشعراء / ١٩٣ - ١٩٤.
(٦) المقصود (م، ع).
(٧) النبأ / ٣٨.