[التقسيم]
  في تشبيه فحم فيه جمر. قال الشاعر(١):
  كأنما الفحم والجمار به ... بحر من المسك موجه الذهب
  أي لإبراز المشبّه في صورة الممتنع عادة.
  وله أي للاستطراف وجه آخر غير الإبراز في صورة الممتنع عادة وهو أن يكون المشبّه به نادر الحضور في الذهن، إمّا مطلقا كما في المثال المذكور وإمّا عند حضور المشبّه كما في قوله في البنفسج:
  ولازورديّة تزهو بزرقتها ... بين الرياض على حمر اليواقيت
  كأنّها فوق قامات ضعفن بها ... أوائل النار في أطراف كبريت
  فإنّ صورة اتصال النّار بأطراف الكبريت لا تندر كندرة بحر من المسك موجه الذهب، لكن تندر عند حضور صورة البنفسج. وقد يعود الغرض إلى المشبّه به وهو ضربان: الضرب الأول إيهام أنّه أتمّ في وجه التشبيه من المشبّه وذلك في التشبيه المقلوب، وهو أن يجعل الناقص في وجه الشّبه مشبّها به قصدا إلى ادّعاء أنه زائد في وجه الشّبه كقوله:
  بدأ الصّباح كأنّ غرّته ... وجه الخليفة حين يمتدح
  فإنّه قصد إيهام أنّ وجه الخليفة أتمّ من الصباح في الوضوح والضياء.
  قال في الأطول: ولا يخفى أنّه يجوز أن يكون التشبيه المقلوب مبنيا على تسليم أنّه أتم من المشبّه إذا كان بينك وبين مخاطبك نزاع في ذلك وأنت جاريت معه، وأنه يصحّ التشبيه المقلوب في تشبيه التزيين والتشويه والاستطراف لا دعاء أنّ الزينة في المشبّه به(٢) أتم أو القبح أكثر، أو ادّعاء أنّ المشبّه أندر وأخفى. ولا يظهر اختصاصه بصورة الحاق الناقص بالكامل.
  والضرب الثاني بيان الاهتمام به أي بالمشبه به كتشبيه الجائع وجها كالبدر في الإشراق والاستدارة بالرغيف، ويسمّى هذا النوع من الغرض إظهار المطلوب.
  قال في الأطول: ويمكن تربيع قسمة الغرض ويجعل ثالث الأقسام أن يعود الغرض إلى ثالث وهو تحصيل العناق أي الاتصال بين صورتين متباعدتين غاية التباعد، فإنّه أمر مستطرف مرغوب للطباع جدا. ورابعها أن يعود الغرض إلى المشبّه والمشبّه به جميعا، وهو جعلهما مستطرفين بجميعهما لأنّ كلا من المتباعدين مستطرف إذا تعانقا.
[التقسيم]
التقسيم الأول
  وللتشبيه تقسيمات باعتبارات. الأول باعتبار الطرفين إلى أربعة أقسام لأنّهما إمّا حسّيان نحو {كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ}(٣) أو عقليان نحو {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}(٤). كذا مثّل في البرهان، وكأنه ظنّ أنّ التشبيه واقع في القسوة وهو غير ظاهر بل هو واقع بين القلوب والحجارة، فمثاله العلم والحياة. أو مختلفان بأن يكون المشبّه عقليا والمشبّه به حسّيا كالمنيّة والسبع أو بالعكس مثل العطر وخلق رجل كريم، ولم يقع هذا القسم في القرآن، بل قيل
(١) هو إسماعيل بن القاسم بن سويد العيني العنزي، أبو إسحاق الشهير بأبي العتاهية. ولد عام ١٣٠ هـ / ٧٤٨ م وتوفي ببغداد عام ٢١١ هـ / ٨٢٦ م. شاعر مكثر، سريع الخاطر. الاعلام ٤/ ٣٢١، الأغاني ٤/ ١، وفيات الأعيان ١/ ٧١، تاريخ بغداد ٦/ ٢٥٠، الشعر والشعراء ٣٠٩.
(٢) به (- م).
(٣) القمر / ٢٠.
(٤) البقرة / ٧٤.