الاقتباس:
  الحديث لا على أنه منه، أي على وجه لا يكون فيه إشعار بأنه من القرآن أو الحديث وهذا احتراز عمّا يقال في أثناء الكلام قال اللّه تعالى كذا أو قال النبي ÷ كذا، وفي الحديث كذا. ونحو ذلك. وهو ضربان: أحدهما ما لم ينقل فيه المقتبس عن معناه الأصلي، فمن المنثور قول الحريري(١):
  فلم يكن إلّا كلمح البصر وهو أقرب. ومن المنظوم قول الآخر:
  إن كنت أزمعت على هجرنا ... من غير ما جرم فصبر جميل
  وإن تبدّلت بنا غيرنا ... فحسبنا اللّه ونعم الوكيل
  والثاني ما نقل فيه المقتبس عن معناه الأصلي كقول ابن الرومي(٢):
  لئن أخطأت في مدحك ما أخطأت في منعي ... لقد أنزلت حاجاتي بواد غير ذي زرع
  أراد بقوله {بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} جنابا لا خير فيه ولا نفع، وأريد في القرآن بذلك مكّة إذ لا ماء فيه ولا نبات؛ ولا بأس في اللفظ المقتبس أن يقع تغيير يسير للوزن أو غيره كالتقفية كقول البعض:
  قد كان ما خفت أن يكونا ... إنا إلى اللّه راجعونا
  وفي القرآن {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ}(٣).
  كذا في المطول.
  قال في الإتقان في نوع آداب تلاوة القرآن: قد اشتهر عن المالكية تحريم الاقتباس وتشديد النكير على فاعله. وأما أهل مذهبنا فلم يتعرض له المتقدمون ولا أكثر المتأخرين مع شيوع الاقتباس في أعصارهم واستعمال الشعراء له قديما وحديثا. وقد تعرض له جماعة من المتأخرين، فسئل عنه الشيخ عز الدين بن عبد السلام(٤) فأجازه، واستدل بما ورد عنه ÷ من قوله في الصلاة وغيرها وجهت وجهي إلى آخره، وقوله: «اللّهم فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا اقض عني ديني وأغنني من الفقر»(٥).
  وهذا كله إنما يدل على جوازه في مقام المواعظ والثناء والدعاء وفي النثر ولا دلالة فيه على جوازه في الشعر وبينهما فرق لأن القاضي أبا بكر من المالكية صرح بأن تضمينه في الشعر مكروه وفي النثر جائز. وقال الشرف إسماعيل بن المقري اليمني(٦) صاحب مختصر الروضة في
(١) الحريري هو القاسم بن علي بن محمد بن عثمان، أبو محمد الحريري البصري. ولد بالقرب من البصرة عام ٤٤٦ هـ / ١٠٥٤ م. وتوفي فيها عام ٥١٦ هـ / ١١٢٢ م. أديب لغوي، صاحب المقامات الحريرية. له عدة مصنفات. الأعلام ٥/ ١٧٧، وفيات الأعيان ١/ ٤١٩، مفتاح السعادة ١/ ١٧٩، طبقات السبكي ٤/ ٢٩٥، خزانة البغدادي ٣/ ١١٧، آداب اللغة ٣/ ٣٨، نزهة الجليس ٢/ ٢.
(٢) هو علي بن العباس بن جريح، أبو جورجيس الرومي، أبو الحسن. ولد ببغداد عام ٢٢١ هـ / ٨٣٦ م. ومات فيها مسموما عام ٢٨٣ هـ / ٨٩٦ م. شاعر كبير من طبقة بشّار والمتنبي. أصله رومي، كان يهجو الناس. وله ديوان شعر مطبوع. الأعلام ٤/ ٢٩٧، وفيات الأعيان ١/ ٣٥٠، تاريخ بغداد ١٢/ ٢٢، معاهد التنصيص ١/ ١٠٨، الذريعة ١/ ٣١٣، دائرة المعارف الإسلامية ١/ ١٨١.
(٣) البقرة / ١٥٦.
(٤) عز الدين بن عبد السلام هو عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن السلمي الدمشقي، عز الدين الملقّب بسلطان العلماء. ولد بدمشق عام ٥٧٧ هـ / ١١٨١ م. وتوفي بالقاهرة عام ٦٦٠ هـ / ١٢٦٢ م. فقيه شافعي مجتهد. تولى الخطابة والتدريس ثم القضاء. له مؤلفات هامة. الأعلام ٤/ ٢١، فوات الوفيات ١/ ٢٨٧، طبقات السبكي ٥/ ٨٠، النجوم الزاهرة ٧/ ٢٠٨، علماء بغداد ١٠٤، مفتاح السعادة ٢/ ٢١٢.
(٥) حديث رواه ابن أبي شيبة في مصنف، كتاب الدعاء، باب من كان يدعو بالغنى، ٧/ ٢٧.
(٦) هو إسماعيل بن أبي بكر بن عبد اللّه بن إبراهيم الشرجي الحسيني الشاوري اليمني. ولد باليمن عام ٧٥٥ هـ / ١٣٥٤ م.