حرف التاء (ت)
  أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا
  المصراع الثاني للعرجي(١)، والمعنى تام بدون التقدير. ومعنى الإنشاد ذكر شعر الغير، ففيه تنبيه على أنّ المصراع من شعر الغير.
  وثانيهما أن لا يتم بدونه كقول الشاعر:
  كنّا معا أمس في بؤس نكابده ... والعين والقلب منّا في قذى وأذى
  والآن أقبلت الدنيا عليك بما ... تهوي فلا تنس أنّ الكرام إذا
  أشار إلى بيت أبي تمام، ولا بدّ من تقدير الباقي منه. لأنّ المعنى لا يتمّ بدونه.
  واعلم أيضا أنه لا يضر في التضمين التغيّر اليسير لما قصد تضمينه كقول البعض في يهوديّ به داء الثعلب:
  أقول لمعشر غلطوا وعضّوا ... من الشيخ الرشيد وأنكروه
  هو ابن جلا وطلّاع الثنايا ... متى يضع العمامة يعرفوه
  فالبيت لسحيم بن وثيل(٢) وأصله.
  أنا ابن جلا وطلّاع الثنايا ... متى أضع العمامة يعرفوني
  وأحسن التضمين ما زاد على الأصل بنكتة، أي يشتمل البيت أو المصراع في شعر الشاعر الثاني على لطيفة لا توجد في شعر الشاعر الأول كالتورية والتشبيه، والأمثلة كلها تطلب من المطول.
  ومنها أن يجيء قبل حرف الروي أو ما في معناه ما ليس بلازم في القافية أو السجع مثل التزام حرف أو حركة تحصل القافية أو السجع بدونها ويسمّى أيضا بالتشديد والإعنات والالتزام ولزوم ما لا يلزم، وهذا المعنى من المحسّنات اللفظية. والمراد بما في معنى حرف الروي الحرف الذي وقع في فواصل الفقر موقع حرف الروي في قوافي الأبيات. وأيضا المراد أن يجيء ذلك في بيتين أو أكثر أو قرينتين أو أكثر، وإلّا ففي كل بيت يجيء قبل حرف الروي ما ليس بلازم في القافية مثلا قول الشاعر:
  قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل
  قد جاء قبل اللام ميم مفتوحة وهو ليس بلازم في القافية وإنّما يتحقق الالتزام لو جيء بها في البيت الثاني أيضا. ومثال التزام حرف مع حركة في النثر قوله تعالى {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ ٩ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ}(٣) فإنّه التزم فيها الهاء المفتوحة قبل الراء التي بمنزلة حرف الروي. وقوله {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ١٥ الْجَوارِ الْكُنَّسِ}(٤) فإنّه التزم فيها النون المشددة قبل السين. ومثال التزام حرفين مع الحركات فيه قوله تعالى {وَالطُّورِ ١٥ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ}(٥).
  ومثال التزام ثلاثة أحرف معها قوله تعالى {تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ ١ وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ}(٦). ومثال التزام الحرف بدون الحركة فيه قوله تعالى {اقْتَرَبَتِ
(١) هو عبد اللّه بن عمر بن عمرو بن عثمان بن عفان الأموي القرشي، أبو عمر. توفي حوالي ١٢٠ هـ / ٧٣٨ م. شاعر غزل مطبوع قريب من مذهب عمر بن أبي ربيعة. كان مشغوفا باللهو والصيد. أديب ظريف وسخي. له ديوان شعر مطبوع.
الاعلام ٤/ ١٠٩. الأغاني ١/ ٢٨٣، الشعر والشعراء ٢٢٤، جمهرة الأنساب ٧٧، خزانة الأدب ١/ ٤٧.
(٢) هو سجيم بن وثيل بن عمرو الرياحي اليربوعي الحنظلي التميمي. توفي نحو ٦٠ هـ / ٦٨٠ م. شاعر مخضرم. عاش في الجاهلية والاسلام. كان شريفا في قومه، نابه الذكر. الاعلام ٣/ ٧٩، خزانة البغدادي ١/ ١٢٦، جمهرة الأنساب ٢١٥.
(٣) الضحى / ٩ - ١٠.
(٤) التكوير / ١٥ - ١٦.
(٥) الطور / ١ - ٢.
(٦) الأعراف / ٢٠١ - ٢٠٢.