حرف التاء (ت)
  وقال الماتريدي(١): التفسير القطع على أنّ المراد من اللفظ هذا أو الشهادة على اللّه أنه عني باللفظ هذا، فإن قام دليل مقطوع به فصحيح وإلّا فتفسير بالرأي وهو المنهي.
  والتأويل ترجيح أحد المحتملات بدون القطع والشهادة على اللّه.
  وقال أبو طالب الثعلبي(٢): التفسير بيان وضع اللفظ إما حقيقة أو مجازا كتفسير الصراط بالطريق والصيّب بالمطر، والتأويل تفسير باطن اللفظ، مأخوذ من الأول، وهو الرجوع بعاقبة الأمر، فالتأويل إخبار عن حقيقة المراد والتفسير إخبار عن دليل المراد، لأن اللفظ يكشف عن المراد والكاشف دليل كقوله تعالى {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ}(٣) تفسيره أنه من الرّصد يقال:
  رصدته رقبته والمرصاد مفعال منه وتأويله التحذير من التهاون بأمر اللّه والغفلة عن الأهبة والاستعداد للعرض عليه وقواطع الأزلة تقتضي بيان المراد منه على خلاف وضع اللفظ في اللغة.
  قال الأصبحاني في تفسيره: اعلم أنّ التفسير في عرف العلماء كشف معاني القرآن.
  وبيان المراد أعمّ من أن يكون بحسب اللفظ المشكل وغيره وبحسب المعنى الظاهر وغيره.
  والتأويل أكثره في الجمل، والتفسير إمّا أن يستعمل في غريب الألفاظ نحو البحيرة والسائبة والوصيلة أو في وجيز يتبيّن بشرح نحو أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وإمّا في كلام متضمن لقصة لا يمكن تصويره إلّا بمعرفتها كقوله تعالى {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ}(٤). وإمّا التأويل فإنه يستعمل مرة عاما ومرة خاصا نحو الكفر المستعمل تارة في الجحود المطلق وتارة في جحود الباري تعالى خاصة، ويستعمل في لفظ مشترك بن معان مختلفة نحو لفظ وجد المستعمل في الجدة والوجد والوجود. وقال غيره التفسير يتعلّق بالرواية والتأويل بالدراية.
  وقال أبو نصر القشيري(٥): التفسير مقصور على الاتباع والسماع والاستنباط في ما يتعلّق بالتأويل. وقال قوم ما وقع في كتاب اللّه تعالى مبينا وفي صحيح السنة معينا سمّي تفسيرا لأنّ معناه قد ظهر ووضح، وليس لأحد أن يتعرّض له باجتهاد ولا غيره، بل يحمله على المعنى الذي ورد ولا يتعداه. والتأويل ما استنبطه العلماء العالمون بمعاني الخطاب الماهرون في آلات العلوم.
  وقال قوم منهم البغوي والكواشي(٦):
  التأويل صرف الآية إلى معنى موافق لما قبلها وبعدها يحتمله الآية غير مخالف للكتاب والسّنة من طريق الاستنباط. ويطلق التفسير أيضا على علم من العلوم المدوّنة وقد سبق في المقدمة.
(١) هو محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي. ولد بما تريد وتوفي بسمرقند عام ٣٣٣ هـ / ٩٤٤ م. من أئمة الكلام ومؤسس المذهب الماتريدي. له الكثير من المؤلفات الهامة. الأعلام ٧/ ١٩، الفوائد البهية ١٩٥، مفتاح السعادة ٢/ ٢١، الجواهر المضية ٢/ ١٣٠.
(٢) هو أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أبو طالب، وقيل أبو إسحاق، توفي عام ٤٢٧ هـ / ١٠٣٥ م. مفسّر عالم بالتاريخ، له عدة كتب، الاعلام ١/ ٢١٢، ابن خلكان ١/ ٢٢، إنباه الرواة ١/ ١١٩، البداية والنهاية ١٢/ ٤٠، اللباب ١/ ١٩٤.
(٣) الفجر / ١٤.
(٤) التوبة / ٣٧.
(٥) هو عبد الرحيم بن عبد الكريم بن هوازن القشيري، أبو نصر، توفي بنيسابور عام ٥١٤ هـ / ١١٢٠ م. واعظ من العلماء. له بعض المصنفات الاعلام ٣/ ٣٤٦، مرآة الجنان ٣/ ٢١٠، البداية والنهاية ١٢/ ١٨٧.
(٦) هو أحمد بن يوسف بن الحسن بن رافع بن الحسين بن سويدان الشيباني الموصلي، موفق الدين أبو العباس الكواشي ولد بالموصل عام ٥٩٠ هـ / ١١٩٤ م. وتوفي عام ٦٨٠ هـ / ١٢٨١ م. فقيه شافعي، عالم بالتفسير. له العديد من المؤلفات الهامة. الاعلام ١/ ٢٧٤، النجوم الزاهرة ٧/ ٣٤٨، نكت الهميان ١١٦.