تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبيين،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

[قصة أبي العتاهية وحاضر صاحب عيسى بن زيد #]

صفحة 136 - الجزء 1

  عن شيء من أمره لما أنا فيه من الجزع والحيرة، فمكثت كذلك ملياً⁣(⁣١) وأنا مطرق، ومفكر في حالي فأنشد الرجل⁣(⁣٢):

  تعودت مس الضر حتى ألفته ... وأسلمني حسن العزاء إلى الصبر

  وصيرني يأسي من الناس واثقاً ... بحسن صنيع الله من حيث لاأدري

  فاستحسنت البيتين وتبركت بهما، وثاب إلي عقلي، فأقبلت على الرجل فقلت له تفضل أعزك الله بإعادة البيتين.

  فقال: ويحك يا إسماعيل - ولم يكنني - ما أسوأ أدبك، وأضعف عقلك، وأقل مرؤتك، دخلت علي ولم تسلم علي تسليم المسلم على المسلم، ولاتوجعت لي توجع المبتلى للمبتلى، ولاسألتني مسألة الوارد على المقيم حتى إذا سمعت مني بيتين من الشعر الذي لم يجعل الله فيك غيره خيراً، ولا أدباً، ولاجعل لك معاشاً غيره لم تذكر ماسلف منك فتتلافاه، ولااعتذرت عما قدمته وفرطت فيه من الحق حتى استنشدتني مبتدئاً كأن بيننا أنساً قديماً، ومعرفة سابقة، وصحبة تبسط المنقبض.

  فقلت له: تعذرني متفضلاً فدون ما أنا فيه يدهش.

  قال: وفي أي شيء أنت إنما تركت قول الشعر الذي كان جاهك عندهم وسبيلك إليهم فحبسوك حتى تقول، وأنت لابد من أن تقوله، فتطلق، وأنا إنما يدعى بي الساعة


(١) في (ب): ناقص.

(٢) في (ب): بيتين من الشعر وهما.