تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبيين،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

[مقدمة المؤلف]

صفحة 29 - الجزء 1

  فإن الله تعالى خلق عباده للرحمة، وكلفهم بالعبادة تعريضاً للثواب والجنة، وأزاح عللهم بالآلة والقدرة، وَنَصَبَ الأدلَة، وبعثَ الأنبياء لبيان الملة، ولما علم أن صلاح الخلق في شريعة واحدة، وملة شاملة إلى وقت انقطاع الدنيا، وإقبال الدار⁣(⁣١) الأخرى بعث محمداً ÷ خير البرية، وختم به النبوة، وأنزل معه كتاباً عزيزاً، قرآناً عربياً أتم بهما نعمته، وأكمل حجته، فقال سبحانه: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ} وقال: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}⁣[الأنعام: ٣٨]، فقام بأمر الله مبيناً أحكام الله فلم يدع شيئاً مما أمر به إلا بينه، ولم يكتف بذلك حتى كرره وأعلنه، وأشهد عليه من حضر من شيعته، وأمرهم بالبلاغ إلى من يأتي بعده من أمته، فصلوات الله عليه وعلى آله⁣(⁣٢) وعترته، وكان ~ وعلى آله طول عمره يبشرهم بما يخلف فيهم من بعده مرة تصريحاً، ومرة تلويحاً، وتارة⁣(⁣٣) بالإشارة، واخرى بالعبارة، ينص عليه، ويأمر بالتمسك به والرجوع إليه، يذكر ذلك في خطبه ومقاماته، ووصاياه ومخاطباته، ثم أكد ذلك عند انتقاله إلى رحمة ربه، وكريم ثوابه.

  فمرة ذكر في خطبة الوداع حين نعا إليهم نفسه، وأعلمهم ارتحاله.

  وأخرى في مرض موته حين تيقن انتقاله، فخرج يُهْدى⁣(⁣٤) بين اثنين، وأمرهم⁣(⁣٥) بالتمسك بالثقلين، فقال ÷: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا⁣(⁣٦): كتاب الله، وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض».


(١) في (ب): وإقبال الآخرة.

(٢) في (ب): وعلى عترته.

(٣) في (ب): ومرة بالإشارة.

(٤) في (ب): يتهادى.

(٥) في (ب): وأوصاهم.

(٦) في (ب) زيادة: من بعدي أبداً.