موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم،

التهانوي (المتوفى: 1158 هـ)

فائدة:

صفحة 442 - الجزء 1

  يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ}⁣(⁣١) الآية. ولأنّ نبينا عليه الصلاة والسلام سيد المرسلين بالإجماع لا خلاف فيه لأحد من المؤمنين، فالصلاة عليه أشرف وأكمل وأعلى بلا ريب فيلزم تشبيه الأعلى بغير الأعلى. وأجيب عن ذلك بوجوه:

  أوّلها أنّ إبراهيم على نبيّنا وعليه الصلاة والسلام دعا لنبينا حيث قال {رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ}⁣(⁣٢) الآية وقال النبي (أنا دعوة إبراهيم)⁣(⁣٣) الحديث، فلما وجب للخليل على الحبيب حق دعائه قضى اللّه تعالى عنه حقّه بأن أجرى ذكره على ألسنة أمته إلى يوم القيمة. وثانيها أنّ إبراهيم سأل ربه بقوله {وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ}⁣(⁣٤) يعني ابق لي ثناء حسنا في أمة محمد عليه الصلاة والسلام، فأجابه اللّه تعالى إليه وقرن ذكره بذكر حبيبه إبقاء للثناء الحسن عليه في أمته. وثالثها أنّ إبراهيم أبو الملّة لقوله تعالى {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ}⁣(⁣٥) الآية ولقوله تعالى {قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً}⁣(⁣٦) الآية، وغيرها من الآيات. ونبينا # كان أبا الرحمة لقوله تعالى {النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}⁣(⁣٧) الآية فلمّا وجب لكل واحد منهما @ حقّ الأبوة وحقّ الرحمة قرن بين ذكريهما في باب الصلاة والثناء. ورابعها أنّ إبراهيم كان منادي الشريعة في الحجّ وكان نبينا # منادي الدين لقوله تعالى {رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ}⁣(⁣٨) الآية، فجمع بينهما في الصلاة. وخامسها أنّ الشّهرة والظهور في المشبّه به كاف للتشبيه، ولا يشترط كون المشبّه به أكمل وأتمّ في وجه التشبيه. وكان أهل مكّة يدينون ملة إبراهيم على زعمهم وكان أكثرهم من أولاد إسماعيل وإسماعيل بن إبراهيم، وكان إبراهيم مشهورا عندهم وكذلك عند اليهود والنصارى لأنهم من أولاد إسحاق وهو ابن إبراهيم أيضا، فكلّهم ينسبون إلى إبراهيم $. وسادسها بعد تسليم الاشتراط المذكور يكفي أن يكون المشبّه به أتم وأكمل ممن سبق أو من غيره، ولا يشترط كونه أتمّ من المشبّه كما في قوله تعالى {اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ}⁣(⁣٩) الآية. هكذا في التفسير الكبير وشرح المشكاة⁣(⁣١٠) ومدارج النبوة.

  اعلم أنّه في جامع الصنائع يقول: إنّ التشبيه ينقسم إلى قسمين: الأول: مرعي، يعني أنّ المشبّه والمشبّه به كلاهما من الأعيان، أي الموجودات كما في تشبيه السالفة بالليل والشفة بالسكر. والثاني: غير مرعي: وهو أن يكون المشبّه به ليس من الموجودات، ولكن من الممكن أن يكون كما في تشبيه العمود المدبّب


(١) الأحزاب / ٤٣.

(٢) البقرة / ١٢٩.

(٣) اخرجه ابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق ١/ ٣٩، عن الضحاك، وتمامه: أن النبي قال: انا دعوة إبراهيم قال وهو يرفع القواعد من البيت: ربنا وابعث فيهم رسولا منهم، فقرأ الآية حتى أتمّها، وأخرجه السيوطي في الدر المنثور ١/ ١٣٩، عن الضحاك ٥/ ٢٠٧، واخرجه البيهقي في دلائل النبوة ١/ ٦٩.

(٤) الشعراء / ٨٤.

(٥) الحج / ٧٨.

(٦) البقرة / ١٣٥.

(٧) الأحزاب / ٦.

(٨) آل عمران / ١٩٣.

(٩) النور / ٣٥.

(١٠) لعبد الحق بن سيف الدين بن سعد اللّه أبي محمد الدهلوي (- ١٠٥٢ هـ). إيضاح المكنون ٣/ ٨٨، هدية العارفين ١/ ٥٠٣.