الشعر؛ في رسالة عتاب!
  خلفك مصلي! فكيف رضيت بأن يباع الشعر، بأبخس السعر، ولم تلحظه بعين مقه، ولم تحطه ببر وشفقة، فغدا وراح وقدره موضوع، وأصبح ضائعاً من ضاع يضيعُ لا مِن ضَاعَ يَصُوعُ، وأضحى ينادي عن قلب مكلوم، يا للمسلمين مظلوم مظلوم،؟ أتراه بغيرك يستنصر، أم يشكو إلى سامع سواك مبصر،؟ وها هو الآن ميت ملقي. تعيش أنتَ وتَبقى! وإن لم تعد له عائدة من تلك العوائد، ولم تستفد منه فائدة من تلك الفوائد، فبعداً له وقبحا، وجدعاً له وترحا، وسحقاً له من وسيله، ومن حيلة فائدتها قليلة، تنبه لها أكرومةً قبل فوتها، وأصخ لشكوى القوافي فقد استعدت برفيع صوتها، ولقد كان الشعر طلق المحيا، عطر الريا، فاليوم حين تجهم وجهه الوضي، وتكدر ورده الصفي. وأجاد «أبو تمام» وهو المجيد بقوله من تلك القصيد:
  فما بال وجه الشعر أغبر قاتماً ... ووجه العلى من عطلة الشعر واجم!
  إذا أنت لم تحفظه لم يك بدعةً ... ولا عجباً؛ إن ضيعته الأعاجم!
  تداركه إن المكرمات أصابع ... وإن حلى الأشعار فيها خواتم،
  فقد هزّ عطفيه القريض توقعاً ... لعدلك من صارت إليك المظالم
  ولولا خلال سنّها الشعر ما درى ... بغاة العلى من أين تؤتى المكارم
  أنت المعني بذلك لا «ابن أبي دُوَاد»؛ وأين من «هاشيم» «إياد»؟، وأين من الربي الوهاد؟ إليك يلقى مقاليد الإنشا والإنشاد؛
  إلى كم ينالُ الأذلونَ مناهم ... ويعطون أضعاف العطاء وأُخرم؟
  قضاء زمان دأبه الجور في القضا، ... وشيمة دهر في الورى يتحكم
  يود الفصيح القول فيه لو انه ... لما قد يرى من الحظ أبكم!
  وخذها من العبد، على تحض الود وأكيد العهد، تقوم للخدمة بناديك، وتقبل غر أياديك، وتُهدي إليك أسنا السلام، وتفوح كالمسك فض عنه الختام.